سأم .. وضجر!

 

 

يوسف عوض العازمي

alzmi1969@

 

‏"لقد جربت زحمة الأعمال، ‏وكثرة الإرهاق، ‏فوجدت الفراغ أصعبُ منها بكثير". علي الطنطاوي.

 

أحيانًا"يصل بك الحال لتسأم وتضجر من كل ماهو حولك، تشعر بحاجة للتغيير، وتبديل الروتين اليومي، تشعر أنَّ الأيام تتشابه، وكأنها شخص واحد، ولوحة واحدة ألوانها بهتت، وحكاية واحدة امتلأت حتى آخر سطورها بالتراجيديا!

هناك من يُغير بركوب أول طائرة إلى أي مكان، وهناك من يُمتع نفسه بالتسوق، وهناك من يُعطي نفسه ساعات نوم أكثر (أعرف صديقا" يتصرف هكذا !) وهناك من يذهب إلى البحر ليستشف الأمواج، ويقرأ القصص فوق مدها وجزرها، وهناك من يعتبر إشعال نار فوقها شاي مخدر وسط صحراء واسعة، لايوجد بها إلا هو والصحراء، خير وسيلة لطرد الضجر، وهناك أيضًا"من يذهب لكافيه يتناول فنجانا" من القهوة، وقصص كثيرة من قصص طرد الضجر، ومحاربة الملل..

غير أن أكثر القصص طرافة مما علمت لطرد الضجر، هي لشخص إن شعر بالضجر اتجه إلى أقرب صالون للحلاقة وحلق شعر رأسه!

فعلاً "لله في خلقه شؤون، والإنسان غالبًا"عجيبة تصرفاته، وفي رأيي المتواضع أن الإنسان الذي تخالجه حالة ضجر ليس عملياً"، أي أنه صعب أن تجد إنسانا" يعمل طوال يومه، أو ينشغل بعمل ما ( أيا" كان هذا العمل) أن تجده ضجرا" ملولا"، صعب ذلك، بل تجده لايجد وقتا" للراحة، حتى يضجر أو يسأم أو يمل!

إنها حسنات العمل وميزاته إنه يشغل الإنسان، فلا ينشغل بغيره .. يقول  المفكر محمد الغزالي  "آفات الفراغ فى أحضان البطالة تولد آلاف الرذائل،  وتختمر جراثيم التلاشي والفناء. إذا كان العمل رسالة الأحياء فإنَّ العاطلين موتى"، وهنا يبين الغزالي بوضوح ارتباط الفراغ بالرذائل، ويقرر أن العمل للأحياء، أما العاطلون فموتى!

يقول أحد ضباط السجون ذات مرة: إن أغلب المسجونين هم في الحقيقة ليسوا مجرمين، بل إنهم في لحظة ما حصل موقف معين رفع التوتر عندهم وغاب العقل، وكانت النتيجة أن السكرة ذهبت وأتت الفكرة التي جاءت بهم للسجن!

قد تكون السكرة المقصودة نتيجة فراغ، فالفارغ من عمل قد تتوقع منه كل شيء وأي شيء، لذا تحرص الدول المحترمة على محاربة البطالة وتوفير فرص العمل لمواطنيها، لأن البطالة تأتي بالفراغ، والفراغ من نتائجة احتمالات الجريمة، الفراغ هو آفة العصر، وهو الذي يجب أن يحارب، بل ويتم التعامل معه كمشروع دولة، فالعمل يؤدي إلى الإنجاز والقوة، والمؤمن القوي كما قال نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام خير من المؤمن الضعيف.

تعليق عبر الفيس بوك