الهوامش وقصيدة النثر العربية


سمر لاشين | مصر
تأتي هذه المقالة رداً على مقالة الأستاذ عبد الرزاق الغالبي المعنونة بـ"أصول قصيدة النثر العربية" فبعد قراءتي المستفيضة- وبعمق- للمقالة المنشورة المعنونة بـ(أصول قصيدة النثر العربية) بقلم الأستاذ (عبد الرزاق عودة الغالبي) من (حركة التصحيح والتجديد والإبتكار في الأدب العربي)، اتضح لي فعلًا إنه قد أطلق هذا الجنس السجين من سجنه وانصفه بإعطائه الحق في التمتع بالحياة والعيش بفخر بين بقية الأجناس الشعرية الأخرى بالنقاط التالية التي قمت باستلالها من المقالة وقد كانت غائبة عن أذهان المعنيين من الشعراء بهذا الجنس الجميل المظلوم وهي:
أولا - ليس هناك قصيدة نثر مستوردة من أي جهة أجنبية, بل هنالك قصيدة مترجمة قلّدها بعض الشعراء وأعطاها اسمًا خاطئًا وهو (قصيدة النثر).
ثانيا - كل قصيدة تدخل حيّز الترجمة, تؤثر عليها عوامل التعرية الترجمية فتفقدها شكلها, فتصبح قصيدة مبتورة من مضمون فقط لا شكل لها ولا موسيقى.
ثالثا - وبما أن القصيدة المترجمة تفقد الجوانب الشكلية كالاستعارات و الانزياحات نحو الخيال والرمز, وتلتزم بالمعاني السيمانتيكية الدلالية القاموسية فقط  لغرض المحافظة على وحدة المضمون
رابعا - وعندما تفقد القصيدة المترجمة الموسيقى داخل الرحم الترجمي يتغير جنسها من جنس شعري إلى جنس نثري سردي, وأقرب جنس نثري لها هو الخاطرة، لكون الموسيقى هي الأسفين الحديدي الذي يفصل بين الشعر قاطبة والنثر قاطبة ، ولو انهار هذا الأسفين او الجدار بينهما ، تعم الفوضى في الأجناس الأدبية كما نرى الآن على ساحات التواصل الاجتماعي(أختلط الحابل بالنابل)
خامسا - لذلك تقع القصيدة المترجمة بين أمرين مهمين وهما يجعلانها حالة أدبية محيرة:
الأمر الأول: لو بقيت القصيدة المترجمة على حالها بعد عملية الترجمة دون تلاعب اوتغير، تظل قصيدة ناقصة مبتورة لغياب الشكل فيها بفعل العوامل الترجمية, وبما أن النص الأدبي يتكون من شكل ومضمون، تخرج هي من حالة التنصيص, وتصبح نصًّا ناقصًا مبتورًا غير متكامل.
الأمر الثاني: إذا تلاعب المترجم بالقصيدة المترجمة, وأضاف لها شكلًا أدبياً بعد عملية الترجمة, فقد ارتكب الخيانة الترجمية, وصارت القصيدة هجينة, الشكل من اللغة المترجم اليها , والمضمون من اللغة الأصلية .

الاستنتاج:
نستنتج من ذلك أن قصيدة النثر الحالية التي يكتبها شعراؤنا هي (قصيدة النثر العربية)  الحقيقية التي ولدت في رحم اللغة العربية, ولم تأتِ من خارج أسوار تلك اللغة, وقد برع في كتابتها والإبداع فيها الجيل الثاني من الشعراء العرب, بعد جيل الرواد وشعراء الحداثة الذين قلّدوا (القصيدة المترجمة) واعتبروها قصيدة نثر مستوردة وتمتاز (قصيدة النثر العربية) بالميزات التالية:
1-    تمتاز ببناء فني وبناء جمالي بنسبة انزياح عالية نحو الخيال والرمز.
2-    تمتاز بأغراض شعرية معاصرة (غرض فلسفي-غرض سخرية- غرض اجتماعي –غرض وطني –غرض رومانسي- غرض ميثولوجي...الخ وتلك الأغراض جديدة وغير مطروقة في الشعر القريض
3-    تمتاز بعتبات نصية وهي –العنوان- المتن - الهوامش
4-    وتمتاز بموسيقى داخلية وأدوات تنقيط واهتمام متزايد بعلامات اللغة العربية.
5-    تحوي قضية متكاملة بوحدة مترابطة وكأنها حبكة سردية ...
وهذه الامتيازات تعطيها الحرية الكاملة لدرجة ظننت معها أنها الوحيدة التي تستحق تسميتها بالشعر الحر.
أهمية الهوامش في قصيدة النثر العربية:
وبعد فهمي لما ورد في المقالة ولخصته في أعلاه, وقد أفادني كثيراً بخصوص كتابة تلك القصيدة، وأنا لا أختلف مع الأستاذ (عبد الرزاق الغالبي) من حيث المبدأ, بل أشد على يده، لأني أجده منطقيًّا فيما يقول، وقد فصّل فعلًا محتوى قوله، ولكن أريده، الآن، أن أضع رأيي الشخصي المتواضع حول (الهامش النقدي) فقط، والذي ابتكرته ،أنا،  زينتُ به بعضاً من قصائدي  التي كتبتها, لأبين لقراء قصيدة النثر وكتابها  أهمية هذا الهامش من وجهة نظري:
1)    الهوامش في قصيدة النثر العربية، مفرداتٌ سقطت من جيبِ النصّ لم ينتبه لها الشّاعر، لكنها جزءٌ من جسدِ القصيدة.
2)    الهوامش :ليست زائدةً على القصيدة، بل هي جزءٌ أصيلٌ منها، تولد بشكلٍ مستقل، إمّا تكمل القصيدة، أو توضّحها، أو تنقد الفكرة فيها.
3)    لذلك تعتبر الهوامش قراءةً ثانيةً للنصّ من قِبَل الشاعر باقتضابٍ نقديّ للأحداث في القصيدة، ورؤيةً جديدة لها، وكأن الشاعر يضع نفسه مع القارئ في زاويةٍ واحدة لقراءة النص بشكل أخرَ، وربما ينتج عنه رؤيةٌ جديدةٌ ثالثة ورابعة وعاشرة....الخ
4)    . فالهوامش تدعو لولادة رؤىً جديدةٍ مبتكرة ومتجددة في كل مرة يتناولها الشاعر في نصه .
5)    الهوامش المتنفس المعاصر الذي يتيح للشاعر التقاط أنفاسه بعد ولادة القصيدة، وفيها  يوجه الشاعر اللومَ للقصيدة، أو للفكرة الوليدة فيها، أو ربما يغازلها ويحنو ويطبطب عليها، وربما يسبّ العالم, ويلعن الفكرة بشكل نقديّ هجوميّ أو ساخرٍ, كل هذا يخضع لحالة الشاعر النفسية بعد كتابة القصيدة.
6)     فالهوامش التي يكتبها الشاعر أثناء كتابته للقصيدة أو بعدها، وأحيانًا يكتبها سابقةً لها، ومنها تنطلق الفكرة الأساسية للقصيدة,
7)    هي بؤرة يلف الكاتب عليها جوهر القصيدة، وعند كتابة الشكل العامّ للقصيدة يجد الشاعر أن جسد القصيدة يرفضها, فيكتبها بشكل منفصل خارج عن أسوار البناء الفني للقصيدة، لأنه يجدها أيضًا وُلدتْ كاملةً كالقصيدة وبالتلقائية نفسها, لكي تولد قصيدةُ نثرٍ عربيةٌ متميزة, تتقدم خطوات باتجاه التفوق عن أنواع الشعر الأخرى, وتتباهى برداء الهامش الجديد البراق، الذي لا يمتلكه أي جنس شعري آخر غيرها، وتكونَ كلّ جيناتها جيناتٍ عربيةً خالصةً .

الطموح المستقبلي بقصيدة النثر العربية:
لابدّ أن نفتح باب الشاعرية على مصراعيه دون تكلفٍ، وبتلقائية شديدة تجعل القصيدة تولد كاملةً، وغيرَ مشوهة، وأن تكون مفرداتها نابعةً من بيئة الشاعر وليست نقلًا من بيئات أخرى, أو تقليدًا لمنتج مترجم لا يشبه ثقافتنا. فنحن نطمح بقصيدة عذراءَ تخرج للقارئ كما كتبها الشاعر لأول مرة في دفتره، وأن نذكر للقارئ الهوامشَ التي كُتبتْ معها، ونُزج القارئَ في كواليس القصيدة، ما حدث قبلها وبعدها، وهذا ما تظهره الهوامش. ما يحدث هو أننا نتنكر لها عند النشر ونمزقها ونطردها خارج إطار القصيدة, وهذا لا يجوز.
ما تمتاز به الهوامشُ في قصيدة النثر العربية كخطوة متقدمة نحو إبداع شعري:
1)    أن جزيئاتها تلتحم مع جسد النص لتشكل خلقًا جديدًا للقصيدة الأصلية
2)    أنها تولد كاملةً كما القصيدةُ الأصلية بمنتهى العفوية، وفي الحالة نفسِها التي كتب الشاعرُ فيها قصيدتَه
3)    أنها قراءة ثانية للقصيدة بعين الناقد الشاعر للأحداثِ والفكرةِ التي كتبها هو بدلًا من أن يقوم غيرُه بذلك, فهي من بنات أفكاره، ويعرف نقاطَ قوتها وضعفها    
4)    -تيسر الطريق وتقصره على القارئ لتخلق له عدةَ رؤىً، وتطرح آفاقًا جديدةً للقصيدة
5)    قد يجد القارئ نفسَه في الهوامش أكثرَ من القصيدة نفسها،  ببساطة لأنها كتبت لأجله.   
6)    هي تصحيحٌ للفكرة السائدة "أن الهوامش ليست مهمة أو أن ولادتها غير شرعية"
7)    هي شكلٌ مبتكر للقصيدة العربية التي أصبحت عبارة عن " عنوان - متن - هوامش ". - لا حدود للهوامش، فبعض القصائد تولد بهامش واحد، وبعضها بعدد لا ينتهي من الهوامش
8)    الهوامش عكسُ القصيدة, قد يضع القارئ الكثير من الهوامش لنصٍّ معين يشارك الكاتب فيه, لكنه لن يكتب نفسَ القصيدة التي كتبها الشاعر   
9)    الهوامش أفكارٌ نائمةٌ تحتاج من الشاعر فقط أن يوقظها لحظةَ ميلاد القصيدة.

 

 

 

تعليق عبر الفيس بوك