الشرط الجزائي في العقود

 

د. طه زهران

محامي بالمحكمة العليا، مكتب/ سعيد المعشني للمحاماة

tahazhran@gmail.com

 

يحدث كثيراً ألا يترك المُتعاقدان أمر تقدير التعويض إلى القاضي كما هو الأصل، بل يعمدان إلى الاتفاق مُقدماً على تقدير هذا التعويض. فيتفقان على مقدار التعويض الذي يستحقه أحدهما إذا لم يقم الآخر بتنفيذ التزامه وهذا هو التعويض عن عدم التنفيذ، أو مقدار التعويض الذي يستحقه إذا تأخر في تنفيذ التزامه وهذا هو التعويض عن التأخير. هذا الاتفاق مقدماً على التعويض يسمى بالشرط الجزائي.

والأمثلة على الشرط الجزائي كثيرة متنوعة. فعقود المقاولة قد تتضمن شرطاً جزائياً يلزم المقاول بدفع مبلغ معين عن كل يوم يتأخر فيه المقاول عن تسليم العمل المعهود إليه. ولائحة الشركة قد تتضمن شروطاً جزائية تقضي بخصم مبالغ معينة من أجرة العامل جزاء له على الإخلال بالتزاماته المختلفة. واشتراط حلول جميع أقسام الدين إذا تأخر المدين في دفع قسط منها هو أيضاً شرط جزائي ولكن من نوع مُختلف.

ولا يُصبح الشرط الجزائي مُستحقاً إلا إذا وجد خطأ من المدين، وضرر يُصيب الدائن، وعلاقة سببية ما بين الخطأ والضرر، وإعذار المدين.

فلا يستحق الشرط الجزائي إذن إلا إذا كان هناك خطأ من المدين. فإذا لم يكن هناك خطأ من المدين. فلا مسؤولية في جانبه، ولا يكون التعويض مستحقاً. ومن ثم لا محل لإعمال الشرط الجزائي.

ولا يُستحق الشرط الجزائي كذلك إذا لم يكن هناك ضرر قد أصاب الدائن، ذلك أنَّ الضرر من أركان استحقاق التعويض، فإذا لم يوجد ضرر لم يكن التعويض مستحقاً، ولا محل لإعمال الشرط الجزائي في هذه الحالة.

ولا يستحق الشرط الجزائي إلا إذا قامت علاقة السببية بين الخطأ والضرر. أما إذا انتفت هذه العلاقة بثبوت سبب أجنبي أو قوة قاهرة، أو انتفت بأن كان الضرر غير مُباشر أو غير متوقع، فعند ذلك لا تتحقق المسؤولية، ولا يستحق التعويض، ولا محل هنا لإعمال الشرط الجزائي.

ولا يستحق الشرط الجزائي، أخيراً، إلا بالإعذار، فإذا لم يقم الدائن بإعذار المدين والتنبيه عليه بتحقق الشرط الجزائي في حقه لم يكن التعويض مستحقاً، ولا يكون هناك محل لإعمال الشرط الجزائي.

والعبرة بالالتزام الأصيل، دائماً، لا بالشرط الجزائي، فلا يستطيع الدائن أن يُطالب المدين إلا بالالتزام الأصلي ما دام تنفيذه ممكناً.

وبطلان الالتزام الأصلي يستتبع بطلان الشرط الجزائي، فإذا كان الالتزام الأصلي باطلاً، كان الشرط الجزائي وهو التزام تابع باطلاً كذلك. فإذا عقد الالتزام الأصلي غير ذي أهلية أو غير ذي صفة، أو تعهد شخص بارتكاب جريمة وإلا دفع مبلغاً معيناً كشرط جزائي، كان كل من الالتزام الأصلي والشرط الجزائي باطلاً. ولكن إذا كان الشرط الجزائي باطلاً، فلا يستتبع ذلك أن يكون الالتزام الأصلي باطلاً، لأنَّ الشرط الجزائي التزام تابع، فلا يتعلق به مصير الالتزام الأصلي.

ويترتب على تبعية الشرط الجزائي أيضًا أن الدائن إذا اختار، عند إخلال المدين بالتزامه الأصلي، فسخ العقد بدلاً من المطالبة بتنفيذ الشرط الجزائي، سقط الالتزام الأصلي بمجرد فسخ العقد، وسقط معه الشرط الجزائي لأنه تابع له.

ومتى وجد الشرط الجزائي على هذا النحو، وأصبح مستحقاً، لم يبق إلا القضاء به على المدين، فإنه تعويض مقدر قد ارتضاه مقدماً، فالحكم عليه به حكم بما ارتضاه على نفسه. ولكن الشرط الجزائي لا يستحق، كما ذكرنا، إذا أثبت المدين أنَّ الدائن لم يلحقه أي ضرر.

والأحكام التي قدمناها تعتبر من النظام العام، فلا يجوز الاتفاق على ما يخالفها. ومن ثم لا يجوز للطرفين أن يضيفا إلى الشرط الجزائي أنه واجب الدفع على كل حال، حتى لو لم يقع ضرر أو قام المدين بتنفيذ الالتزام تنفيذاً جزئياً أو تبين أن التقدير مبالغ فيه إلى درجة كبيرة. ولو تم الاتفاق على ذلك، كان هذا الاتفاق باطلاً لمخالفته للنظام العام، وجاز للقاضي بالرغم من وجوده ألا يحكم بأي تعويض إذا أثبت المدين أن الدائن لم يلحقه أي ضرر، وأن يخفض الشرط الجزائي إذا أثبت المدين أنه قام بتنفيذ الالتزام تنفيذاً جزئياً أو أن التقدير كان مبالغاً فيه إلى درجة كبيرة. فالقانون هنا يحمي المدين، ويعتبر أن رضاءه بمثل هذا الاتفاق أقرب إلى الإذعان منه إلى القبول.

سلطة القاضي في تعديل الشرط الجزائي في القانون العماني: ويتضح من نص المادة 267/2 من قانون المعاملات المدنية أنَّ القاضي يستطيع أن يزيد مقدار الشرط الجزائي بناءً على طلب الدائن إذا أثبت أنَّ الضرر الواقع فعلاً يزيد عن الشرط الجزائي. كما يستطيع القاضي تخفيض مقدار الشرط الجزائي بناءً على طلب المدين، بل يستطيع القاضي بناءً على طلب المدين ألا يحكم إطلاقاً بالشرط الجزائي، وذلك إذا أثبت أن الدائن لم يصبه أي ضرر رغم إخلال المدين.

والأساس القانوني الذي ترجع إليه سلطة القاضي في تعديل الشرط الجزائي أو عدم الحكم به يرجع إلى أنَّ القانون العماني يعتبر الشرط الجزائي بمثابة تعويض عن الضرر، ومن ثم فقد أوجب مساواته بحجم الضرر المتحقق فعلاً، فلا يأخذ الدائن ما ليس من حقه، فيكون ذلك أكلاً لأموال النَّاس بالباطل طبقاً لأحكام الفقه الإسلامي.

ويرجع الأساس الفقهي في هذا الأمر إلى قواعد التقدير الموضوعية الواردة في الفقه الإسلامي والقائمة على قاعدة "الضرر يزال" ووجوب جبر ما فات من مصالح مشروعة للمضرور دون إثرائه على حساب الغير وأكل ماله بالباطل.

تعليق عبر الفيس بوك