سوق عمان الثقافي

محمد بن حمد البادي

يعيش المشهد الثقافي في السلطنة هذه الأيام حراكاً ثقافياً غير عادي؛ يتمثل في افتتاح معرض مسقط الدولي للكتاب في دورته الرابعة والعشرين، في مركز عمان للمؤتمرات والمعارض، يوم الحادي والعشرين من فبراير 2019 ويستمر حتى الثاني من مارس 2019م.

رائحة الثقافة والمعرفة تفوح مسكاً عطراً في أنحاء السلطنة طيلة أيام وليالي معرض مسقط الدولي للكتاب، الذي يمثل رافدًا لمفهوم الحراك الثقافي والمعرفي والاقتصادي بشكل عام، حيث تشارك فيه (882) دار نشر من ثلاثين دولة يعرض من خلالها (523) ألف عنوان من بينها 35% إصدارات حديثة.

 ومما يبهج النفس أن معرض مسقط الدولي للكتاب لم يعد سوقاً لبيع الكتب فحسب، بل بات سوقاً للثقافة والعلم والمعرفة، وتظاهرة سنوية للكتّاب والمثقفين ومحبي القراءة، ويعتبر نافذة للتعرف على الاصدارات الجديدة والأقلام المبتدئة في التأليف أو تلك المستمرة في دروبه، كما أصبح معرض مسقط الدولي للكتاب ملتقى للحوارات الثقافية والمعرفية، ولقاءً تأملياً ونقدياً للمنجز الثقافي العماني المتعدد الألوان.

إن ترقب الشارع الثقافي في السلطنة لهذا الحدث المهم وارتفاع مستوى إقبالهم عليه عاماً بعد عام، يعد مؤشراً لافتاً للوعي المجتمعي بأهمية القراءة والمعرفة، وهذا ليس عجباً، بل هو الأصل في أمةٍ سابقت منذ القدم في مجالات التأليف واقتناء الكتب القيمة والمفيدة في شتى صنوف العلم، حضارةً عمانيةً قامت مبادئها على نشر العلم والمعرفة، أنجبت كبار العلماء من أمثال الخليل بن أحمد الفراهيدي وابن بركة البهلوي وأبي سعيد الكدمي وغيرهم من العلماء والأدباء والمفكرين ممن لا يتسع المقام لذكرهم جميعاً، علماء نذروا حياتهم للعلم، رفدوا المكتبة العربية بالكثير من الكتب والموسوعات والمجلدات في شتى أنواع العلم والمعرفة.

ولكن ما يأسف له الحال، أن هناك فهم خاطئ لأهمية القراءة عند البعض ـ وربما يكون هذا الفهم لصيقاً بالشعوب العربية أكثر من باقي الشعوب الأخرى ـ مفاده أن المقصد من القراءة هو أن يصبح القارئ فردًا من النخبة الثقافية، وعلى ذلك، فإذا كنا لا نسعى إلى أن نصبح من تلك النخبة فليس من المهم أن نقرأ، سنعيش حياتنا طولاً وعرضاً نقضيها لهواً ولعباً وطرباً، وأكلاً وشرباً ونوماً، وسنوكل مهمة القراءة لأهل الثقافة ليقوموا بالقراءة نيابةً عنا، وبالتأكيد فإن هذا الفهم لدور القراءة يعد فهماً خاطئاً، ونظرةً قاصرةً لمفهوم القراءة.

لقد أصبح للقراءة أهمية كبيرة؛ نظرًا لأنها تعد جزءًا رئيسًا يشكل نمط حياتنا اليومية، فلا سبيل للإبداع والابتكار أو الوصول إلى الاختراعات صغيرة كانت أو كبيرة إلا من خلال القراءة، وتتضح أهميتها بشكل جليّ عند تلك الدول التي تسابق الركب لتصبح رائدةً في مجالات العلم والمعرفة، وتسعى دائمًا إلى نشرِ العلم بين أبنائها منذ نعومة أظفارهم، بحيث يتم نشرُ الوعي القرائي بشكل واسع بين مختلف شرائح مجتمعات هذه الدول من خلال إقامة معارض للكتب والملتقيات الثقافية المتنوعة، والاهتمام بإنشاء المكتبات الوطنية العامة أو تلك الخاصة، لأن هذه الشعوب أدركت مبكراً أن القراءة أساس التقدم الحضاري في كل جوانبه، حتى أصبحت هي الصفة المميزة والملازمة للدول المتقدمة، ومقياساً حقيقياً للتقدم والتحضر، بها تتوسع الرؤى والمدارك وتزداد العلوم والمعارف. 

إنّ اقتناء الكتب الورقية في عصرنا الحديث لم يتأثر بالتطور التكنولوجي والثورة الصناعية، فالكتب الإلكترونية وإن كانت قد أثرت إلى حد ما على سوق الكتاب الورقي، إلا أن الكتاب الورقي لا يزال مفضلا عند الكثير من القراء، وربما سيظل متربعاً على أسواق الثقافة ومعارض الكتاب في مشارق الأرض ومغاربها لسنواتٍ طويلةٍ قادمةٍ، فالكتاب الورقي له طعمه الخاص جداً، له رائحة فريدة،، ولحفيف أوراقه وأنت تقلبها نغمة موسيقية جميلة،،لا يمكن أن يضاهيه في كل ذلك الكتاب الإلكتروني، فقراءة الكتاب الورقي أكثر راحة من قراءة نظيره الالكتروني، فالقراءة لساعات طويلة من جهاز إلكتروني ربما تسبب إجهاداً للعين، كما أن في قراءة الكتاب الورقي متعة لا يشعر بها من يقرأ الكتاب الإلكتروني، يبني علاقة حميمة بين القارئ والكتاب، يربطنا بالماضي التليد من أيام سوق مجنّة وعكاظ.

إن كنت ممن تستهويهم القراءة، شغوفاً بالكتب، محباً للعلم والمعرفة، لا تدع فرصة معرض مسقط الدولي للكتاب تفوتك، لا يُفضُّ هذا السوق الثقافي قبل أن ترتوي من معينه، خذ زادك الكافي منه لتزيد في رصيدك المعرفي، كن من رواده علك تنهل من معارف الكتب علماً ومعرفةً، غذِّ عقلك بالقراءة وشجع أبناءك وإخوانك وباقي أفراد أسرتك عليها، فالقراءة تزيد من ثقافتك واطلاعك على حضارات الشعوب وتدخلك في عالمٍ خاصٍ له متعته الخاصة، فخير جليسٍ في الزمان كتاب.

تعليق عبر الفيس بوك