مدرين المكتومية
ما إن تعجز عن فهم فكرة ما أو عدم القدرة على الإلمام بقضية بعينها، وتجد صعوبة في الاقتناع بما يدور من حولك، فإنك حتما ستلجأ إلى "السيد جوجل"! ذلك المحرك البحثي العملاق، والذي بات يستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي بصورة مذهلة، فهو محرك ذكي قادر على فهم الكثير مما يريد المستخدم، وأيضًا يوجهه إذا أخطا فيطرح السؤال الدائم في مثل هذه المواقف: "هل تقصد...؟". لكن دعونا نتخيل معا كيف ستكون الحياة بلا محرك البحث "جوجل"!
بالطبع ستتراجع المعرفة تراجعا عنيفا، خاصة بين الأجيال التي تجيد بصورة مذهلة استخدام التقنيات الحديثة، وقد يظن البعض أنني أتحدث عن جوجل بأنه يمدنا بالمعلومات والمعرفة فقط، لكن أيضا يعزز الثراء الفكري بما يلهم به المستخدم من أفكار وآراء في شتى صنوف المعرفة. فقد نبحث عمن يطابقنا ونجده من عالم آخر، وينتمي لمعتقدات تختلف عن معتقداتنا، ويحمل ديانة تختلف عن دياناتنا، لكننا نشترك في أمر بسيط وهو بعض الأمنيات والأفكار الجرئية.
ماذا لو كان العالم بلا جوجل؟ بالطبع سنعاني من أزمة معرفية وترفيهية وثقافية، سنعاني من تذكر التفاصيل البسيطة ومن الاطلاع على تجارب الآخرين، سنعاني من صعوبة الوصول إلى الكثير من المعلومات في وقت قياسي لا يتعدى الثانية الواحدة! سنعود أدراجنا لما قبل اختراع الإنترنت، وتنوع المحتوى الرقمي على الشبكة العنكبوتية، سنقرأ في أمهات الكتب بالمكتبات، التي ربما لن تكون متاحة لمن يقطنون خارج المدن، أو من يريدون الحصول على معلومة في غير أوقات دوام هذه المكتبات! ولن نتمكن من حجز رحلة طيران في أقل من 4 دقائق، وسنضطر إلى البحث عن شركة سياحة ترفع السعر على المسافر.. الكثير من عاداتنا اليومية ستتبخر.
ثمة متعة حقيقة في عملية البحث عن معلومة وتحري الدقة في تناول قضية بعينها، وعندئذ يتبادر إلى الذهن الكثير من الأسئلة المُحيرة، وتتقافز علامات الاستفهام العديدة، وربما تتجمع الأفكار في رأسك بصورة عشوائية لن ينظمها لك سوى محرك جوجل. وهذه المتعة عند البحث لا ينبغي أن تدفعنا إلى تصديق كل ما يقدمه لنا جوجل، ففكرة "النسخ العشوائي"- مثلا- غير جيدة وغير مناسبة، وقد تخالف قوانين الملكية الفكرية، والأشد وطأة من ذلك أن يكون النص المنسوخ كاذبا أو غير دقيق أو مزيفا يمزج الحق بالباطل والغث مع السمين.
المدهش أكثر في أمر المحرك جوجل، أنه عندما نتعرف على قصة نشأته وتطوره نجد أنه مثال للصبر والحرص على الإبداع وإتقان العمل بأي شكل كان. وهنا دعوة لجموع الباحثين على هذا المحرك العملاق، ألا يستسهلوا الحصول على المعلومات بكسبة زر، بل عليهم التمعن وتمحيص المعلومات والتأكد من صحتها ومصدرها، وإضافة إلى ذلك الاستعانة بالمصادر التقليدية مثل الكتب والمراجع في المكتبات الكبرى، لأنها لا تزال أكثر مصداقية من المحتوى الرقمي، حتى وإن توافرت هذه الكتب أيضا رقميا، لكن تظل متعة الإمساك بدفتي الكتاب لا تضاهيها متعة.
رسالتي للشاب المبدع المبتكر، أنه لا سقف للطموح، ولا نهاية للحلم، ولا حدود للآمل، بل كلها سقفها السماء ونهايتها أبدية. إنني أدعو الشباب المبدعين كي يستفيدوا من هذه التقنيات الرائدة ويعملوا على ابتكار ما هو أفضل منها، وإنني ليحدوني الأمل بأن أجد عما قريب منتجات تقنية عمانية 100%، فمن مخروا عباب البحار وجالوا في أدغال إفريقيا ومجاهل آسيا، ليس عسيرا على أحفادهم أن يسطروا المجد العماني في عصر الثورة الصناعية الرابعة.. وإنا لقادرون.