خديجة جنكيز تكتب عن عمان



على بدر البوسعيدي
وصل إلى يدي كتاب الباحثة التركية خديجة جنكيز "عمان السلطان قابوس- مثالا للتعايش بين المذاهب الإسلامية والعالم" وانبهرت بما قامت به الباحثة التركية التي كنت تدرس في بداية شهادة الماجستير في جامعة السلطان قابوس، حيث اختارت التجربة العمانية في التسامح والتعايش والتآلف بين أبناء الوطن الواحد، ولم تكتف بذلك فقط، وإنما ذكرت أمثلة حيّة للتعايش واحترام الغير بين السلطنة والعالم أجمع، وفي باقي الأسطر سوف أكتب ما ميز الباحثة التركية عن باقي الكتب التي تحدثت عن سلطنة عمان.
هناك مزايا لهذا الكتاب لم أرها في كتب الباحثين الذين كتبوا عن السلطنة أنّ الكتاب يذكر الحقائق كما هي، فحسب علمي أن الباحثة التركية المتمكنة بدأت كتابة بحثها لنيل درجة الماجستير، وبعد انبهارها بالتجربة العمانية وبعراقة التاريخ العماني المشرف، تطوّرت فكرتها لتتحوّل من رسالة علميّة إلى كتاب تاريخي، حيث ذكرت في كتابها التسلسل التاريخي قبل الإسلام وصولا إلى عصر النهضة الحديثة تحت حكم مولانا السلطان قابوس بن سعيد - حفظه الله ورعاه.
كما ذكرت في الفقرة السابقة أنّ الباحثة كانت تحاول نيل الماجستير من خلال استعراض التجربة العمانية، وبعدها تطورت الفكرة ليتحول هذا البحث العلمي إلى كتاب تاريخي، وهذا من أصعب القرارات التي تتخذها الباحثة أو أي باحث يقرر هذا القرار، فمن المعروف أنّ البحث العلمي يستهدف الأكاديميين، لكن الباحثة استطاعت تسهيل اللغة وتبسيطها ليستطيع أي مهتم أو باحث قراءة الكتاب بنظرة مستقلة ومن باحث دولي ومن نظرة غير محلية، وبطريقة ممتعة، وبها نفس الحقائق والمعلومات لكن بأسلوب سهل وممتع وسلس.
من ضمن المزايا التي ميّزت هذا الكتاب كما أراه أنّ المراجع منوعة، وهناك مراجع لأول مرة تعرض للقارئ العماني أو العربي أو العالمي وهي المراجع التركية، فهذا الكتاب يضم في طيّاته مراجع عمانيّة وعربية وتركية وعالميّة، وأهميّة استخدام المراجع التركية هي السيطرة العثمانية على كثير من الدول العربية في حقبة من حقب التاريخية التي لا يمكن أن تمسح من التاريخ بحلوه ومره، وتعود أهمية هذه المراجع إلى أنّه نادرًا ما نجد كتابا يتحدث عن سلطنة عمان وبه مراجع تركية، وذلك يضفي على الكتاب نوعا من المصداقية وثقلا ثقافيا وتاريخيا لا يستهان به.
الكتاب أيضا لم يهمل التسلسل التاريخي لسلطنة عمان قبل الإسلام إلى عصر النهضة الحديثة، ولكن ما ميّزه خلوه من الحشو الذي يقع فيه كثير ممن كتبوا عن السلطنة وخاصة الكتاب العرب، ودسامة الكتاب أيضًا تكمن في الحقائق المذكورة والأمثلة الحيّة وعلاقات السلطنة منذ القدم، وتعايش العمانيين فيما بينهم، وكيفية تمكن عمان من التعايش مع جيرانها ومع باقي دول العالم، حيث ذكرت الباحثة أمثلة واقعية وتاريخية، ليس في حكم مولانا المفدى فقط، وإنّما منذ القدم، وهذا دليل قاطع على تميّز السلطنة منذ الأزل وتميزها بخصوصية نادرًا ما تجدها في هذا العالم، واستكملت الباحثة في رصد هذه الميزة واستعراضها للقراء الذين سيكونون محظوظين لو قُدِّر لهم اقتناء هذا الكتاب المميز.
سأكتفي بهذه المعلومات، لكي أترك الحكم للقارئ بعد اقتناء الكتاب، واستخلاص جمالياته المميزة في الشكل المميز والمحتوى الدسم والغني، والمثري لكل من أراد التعرّف على تاريخ السلطنة عن قرب أو التجربة العمانية في التعايش فيما بين مكوناتها الداخلية أو مع وباقي دول العالم في عهد مولانا السلطان قابوس بن سعيد الذي تمكن من تكملة مشوار أجداده البواسل في بسط التعايش والألفة بين أبناء الوطن، وتطوير التجربة لتتعدى الحدود، ولتكون التجربة العمانية مميزة وقصة نجاح لا تنتهي.