علي بن كفيتان بيت سعيد
قبل الخوض في موضوع هذا الأسبوع لفت انتباه الكثيرين من رواد الفضاء الإلكتروني بالسلطنة نفوق ثور في مناطحة مع واحد من بني جنسه في ساحة النزال، واجتهد البعض فيما يتعلق بالجانب الإنساني، وآخرون ذهبوا إلى أن هذا جزء من الموروث الشعبي فكلا الثورين تمت تربيتهما للمناطحة وأمر نفوق أو إعاقة أحدهما وارد في أدبيات هذه الرياضة وغير بعيد عن ذلك نجد مآلات الأمور اليوم في الشرق الأوسط فلم نعد نفرق بين النطاح والنطيح.
أذكر أنني كنت مغرماً بالشؤون السياسية منذ كنت طالباً في الجامعة فأجد نفسي في كل معارض الكتب أو حين أزور مكتبة الجامعة لا شعورياً أجمع حولي كومة من الكتب السياسية وأقرأها بنهم يفوق متعة الأكل عندما يكون الإنسان جائعاً ولم أجد تفسيراً لذلك إلا أنني هاوٍ لمهنة المراوغة العالمية وتتبعها ومعرفة ثغراتها. وفيما أذكر كذلك أنّه وقع في يدي كتاب دُوِّن منذ مطلع القرن الماضي عن بعض النظريات الدبلوماسية لحل الخلافات السياسية ومن ضمن النظريات التي لفتت انتباهي وشدتني للقراءة نظرية "إذابة مكعب الملح" وتتلخص رؤية تلك النظرية في أنّ مكعب الملح هو المشكلة وإذابته في أكبر كمية من الماء هو الحل، ولقد وجدت بأنّ مرتكزات تلك النظرية جميلة وقابلة للتطبيق في كل وقت وحين بل ويمكن أن تحل أصعب المشكلات السياسية وفي ذات الوقت لها فاعلية مضمونة في الشأن العائلي البسيط وأورد الكتاب عدة أمثلة نجحت فيها هذه الرؤية السياسية الثاقبة في وضع حد لكثير من الخلافات السياسية المتجذرة.
لا إرادياً استحضرت تلك النظرية وتمنيت لو أملك الكتاب لمزيد من التفاصيل ولكن كل محاولاتي للبحث في ردهات وأدراج "العم جوجل" باءت بالفشل فكلما وضعت كلمة "مكعب الملح" تظهر لي عجوز تطبخ في قدر معدني عتيق وجبة لم نعد نتذكرها أو طاهٍ بارع يتجول في أرجاء مطبخه الواسع ويستغني عن ملح الطعام بمكعبات ماجي المحتوية على كل النكهات، وهنا زادت الحيرة فعدت إلى خبايا الذاكرة المنهكة لاستحضار الفصل المعنون بنظرية إذابة مكعب الملح فوجدتها في الفصل السابع كما تيقنت بأن ذلك السفر الدبلوماسي العظيم عبارة عن مؤلف لأبرز المنظرين السياسيين فكل له نظريته، وصاحبنا حسب ما جادت به الذاكرة هو من أبناء العم سام حيث قال في مقدمته أنه مغرم بالطبخ مع زوجته التي لا تجيد حتى صنع الشاي وفي ذات يوم عرضت عليه قضية قوميه معقدة ليضع استشارته فيها فقال: عندما وضعت مكعب الملح في القدر ورأيته يختفي استلهمت نظريتي ووضعت أركانها وعدت بها إلى عرابي السياسة فجربوها وأثبتت نجاحها.
الظاهر اليوم أن كل عقلاء الشرق الأوسط وحتى المتهور منهم أصبحوا مؤمنين بنجاح هذه النظرية ولذلك تمّ التخلص من الوجبة القديمة التي لم تنضج منذ قرن ونيف وانكب الطباخون على تنظيف القدر تماماً وكل واحد منهم يتفنن في إبراز مهاراته لاقتفاء أثر كل بقايا الطعام المندسة في تجاعيد تلك الصفرية التي انهكتها النار الموقدة تحتها ولم تخرج منها حتى وجبة واحدة منذ مئة عام وحالياً يجرى التفكير عميقاً في حجم مكعب الملح المراد إذابته وكم من المياه تكفي لتبديده واختفائه نهائياً.
النظرية التي قرأتها عليكم هذا الأسبوع تؤمن بذوبان البعض في الكل إذا توفرت الظروف الملائمة وهو ما يبحث عنه بعض العرب اليوم فمكعب الملح يصبح مزعجاً عندما تتوافر له فرص البقاء صلباً. ولعل من الواجب عليّ أن أوضح لكم كذلك أنّ صاحب هذه النظرية ذيلها باستنكار للنجاحات التي حققتها فأورد أنّ البحار والمحيطات ورغم كمية المياه الهائلة فيها لم تذهب طعم ملوحتها! وقال: بالعكس فإنّ ذلك يوفر بيئة مثالية لعيش أنواع كثيرة من الأسماك التي تعيل الكثير من الكائنات الحية على هذا الكون مما يعني أن هذه النظرية رغم الأطر الواسعة لنجاحها الا أن هناك احتمالاً واحدا لفشلها ولا ضير من التجربة، فالمعادلة ستعتمد على كمية الماء المتاح لإذابة ذلك المكعب العنيد في بركة العرب المليئة بالمفاجآت.
*نقطة نظام:
هل سيمكننا السلام المرتقب من الانتصار على مشاعرنا بالأسى؟ لقد فعل اليابانيون ذلك ونجحوا في تسيد العالم مجدداً رغم فظاعة المأساة التي تعرضوا لها في الحرب العالمية الثانية..
إنّ الاعتراف بالهزيمة هو مفتاح النصر.