عرفت طعم الموت


رنيم أبو خضير | الأردن

درست مساق الفلسفة
كانت يرعات قلبي
قد بدأت بالنضوج
وفجوة الظلام تلاشت من أمام طفولتي
بعد أن فض الحزن بكارة روحي.

بعد فوران سريع في الفكر
كان لدي سؤال مدون لا يغيب
كيف طعم الموت !

كنت سابقا أدرس في كلية الصحافة
وثم تحول الموضوع إلى جانب آخر
وصار لزاما علي
أن ادرس العلوم السياسة
بلا أي رد
بلا أي قرار أملك !

كان للكون أن يقطع حنجرتي
أدخل يده إليها وسحبها
كالمنشار
بلا شفقه
دون أن أنبس بصوت
دون أن يترك لي القدرة
على الصراخ والاستنجاد !

الكون
السارق الذي أخذ حنجرتي
وترك طبقات متراكمة من الصراخ
لم أصرخه تكبر فيّ ..
وهرب بحنجرة تحبل بصراخ
لم أنجبه..

علقت كرة الصمت لأول مرة
وفر الصوت مني
صرت أركض بلا ساق
وأهبط من دوامة الطموح
سلمًّا
سلمًّا
نحو الحضيض.

أول محاضراتي
التي استعملها كدليل على وجودي
الآن
قال الأستاذ حينها:
لديك فلسفة اللاحياة
وتملكيين باطنًا وفير المعاني!

الآن بعد أن تخرجت
وأملك شهادة جامعية
وفرصا ضائعة كثيرة
وآسى لامتناهي
وخيبات وفيرة
وجسدا عقيما
فرحا وقلبا موؤدا
ومعلقا فيه عقد الخيبات
وأحزانا عظيمة
وكلمات ميتة اتقيئها
في وجه هذا الكون الأزرق
ويوقف المارة
ذهول
احتفاء بوجعي
(وعلاقات محطمة
مروية ومنشورة للملأ
ليشهدوا
حزن الضياع)
وحبا لا يشبع
الحزن منه
ووجهة بلا عنوان
أركض نحوها
وصمتا يأكلني
وذئبا شرسا يلوك فراشي
أرق لا يشبع مني
وأمومة عقيمة
(لرجل طفل لرحم الحب
لا يصل رحمة
عاق
ولئيم)
لا أعرف متى تتركني
وبؤس وفير
أمارس فيه الليل على مهل
ووئام مع ظلام دامس
يخرج من قلبي
ويشع يملأ حارتنا
تصرخ جاراتنا كثيرا
لكي يطلع النهار
لترتاح أجسادهن من طمع أزواجهن
الذين لا يشبعونه

علمت أن لكل شيء تاريخ انتهاء
(المعلبات، الطعام الليل والود والحزن والأرق والسعادة والعلاقات والزواج والحب وووو....)

لكل شيء تاريخ انتهاء
سوى الهجران
يكبر .. يتضخم ..
وينبت
في رحم الوجع العظيم
فتولد أفواج الوحدة
ممنوعة من الرحيل
عن موطنها
.. جسدي.

وإن الحزن
كممارسة الجنس
لأول مرة
وكل مرة يفض بكارة قلبك
بذات الهلع
والوجع
والريبة وكأنها الأولى!

الآن عرفت
أن الفرحة فخ
والتعامل مع
مهمة الحياة اليومية
كالتعامل مع الجزار
السكين كلام لاذع
وكل يوم يذبحني الأحبة مرات كثيرة
ولا أموت
الآن أمدد يدي إلى حنجرتي
وأقول عرفت طعم الموت !

أمدد يدي إلى أطفال يكبرون فيّ
وأتوسد سرير الأمومة والتعب
حبل لا تاريخ لإنجاب له
.. الضجيج.

عرفت طعم الموت يا أستاذ
ومنذما خلقت وأنا أمارسه!.

 

تعليق عبر الفيس بوك