جمال عبد الناصر | اليمن
إنها الحياة، أو العذاب كَما أدعيها أنا
مِن فراغٍ إلى فراغ، ومِن تيهٍ إلى تيه
تتمحور أحداثها حَولك، بعد أن تُنهي أول سنين الدراسة، وتُصبح كبيراً بما فيه الكِفاية لِتقطع الشارع، كما يقولون تقطعهُ وتخاف أن تَدهس حُلمك سيارة مُسرعة، تنظر خلفك لَبضع ثوانٍ وتمضي بأمان، لا أحد يُلاحظ نظراتك الطفولية الخائِفة تِلك، تَرمُق السماء بنظرة تمنٍ راجياً مِنها أن لا تُمطر، لِتحظى باللعب مع أصدقائك خارِجاً، وبعد انتهاءك تنظر شاكِراً لها على صومها عن المطر مِن أجلك، لا أحد يعلم تفكيرك الطفولي ذاك، ولا يعلمون أنك طلبت وشكرت كما يفعل الكبار، تكبر فجأة على غياب أحبائك، وحرب صارِمة في بلدك، تُكمل المسير حامِلاً لِحُلمك ذاته، تخاف عليه أكثر ما تخاف على نفسك، أنت ضَحية هذه الحرب، الآن أم مُستقبلاً، تُبقي حُلمك في قلبك وتمضي باحِثاً عن أمان لِتحققه، تريد سلاماً لا أكثر، ولا تجد، وأخيراً تخسر حُلمك ذاته الذي كُنت تخاف أن تدهسه سيارة وأنت تقطع الشارع، ذاته الذي كُنت تمسكه بِكلتا يديك، وجميع أيادي قلبك، وأمانيك، تخسره دون بُكاء، لأنك لم تعُد طَفلاً على هذا،
تسرق نظرات سعادة على من أكملوا الحُلم، تفرح لهم، وتتمنى لو كُنت معهم، يالَك مِن ساذج، أنت تبكي فرحاً لهم، وحُزناً على نفسك
تكبُر وتُدرك أن فراغات الحَياة لن تَتركك، والتيه سيُرافقك بقيّة حياتك طالما أنك هُنا، لا تنسَ أن تعلم أنك منفيٌّ أيضاً
مُت في فراغك، وتِه في خيالك، فأنت منسيٌّ ما دُمت هُنا !