سباق الحوكمة

فايزة الكلبانية

faiza@alroya.info

 

تتسابق حاليا مختلف المؤسسات الحكومية والخاصة لتطبيق الحوكمة، كون جميع هذه المؤسسات تعد جزءًا من اقتصاد السلطنة، ولها مؤثراتها إيجابا وسلبا على الاقتصاد وحركة السوق؛ حيث إنّ تطبيق الحوكمة يضمن إنشاء إدارة رشيدة وآليات عمل متكافئة.

وفي ظل التحول الإلكتروني والجهود المتواصلة لدعم "عمان الرقمية"، تعمل المؤسسات على ربط الحوكمة بالأنظمة الإلكترونية، بهدف الحصول على عمل متكامل ومنظم يتميز بالجودة والسرعة لمواكبة التقدم التقني، وتقديم أفضل الخدمات بجودة عالية وسرعة فائقة. وفي هذا الإطار، نترقب خلال الأيام المقبلة أن يعلن صندوق الرفد عن توجهه لانطلاق العمل في "الحوكمة الإلكترونية" بالتعاون مع المركز البريطاني للمعايير، لتكون أولى الجهات المطبقة لهذا النوع من الحوكمة، والذي سيتم العمل به خلال العام الجاري 2019، بهدف الاتجاه نحو الاستدامة في دعم قطاع ريادة الأعمال ورفد سوق العمل بآليات عمل أكثر شفافية وسرعة وجودة في مختلف الأعمال والإجراءات. والحوكمة الإلكترونية التي نتحدث عنها هنا تتسم باعتمادها الأساسي على التقنيات الحديثة لتحقيق أهدافها، خاصة وأننا نعيش في عصر الثورة الصناعية الرابعة والتي ترتكز في صلبها على مفاهيم متطورة للغاية مثل إنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي، وهذا يعني أننا بصدد التأسيس لثقافة عمل مختلفة تماما عما سبق خلال السنوات الماضية، ثقافة تفسح المجال للإبداع والابتكار وتعتمد على القدرات الوطنية أولا وأخيرا.

والسلطنة من أوائل الدول في المنطقة التي أبدت اهتمامًا وحرصا كبيرين على تطبيق معايير الحوكمة، وأسست مركز عمان للحوكمة والاستدامة، الذي يعمل بالتعاون مع الهيئة العامة لسوق المال ووزارة المالية على إصدار ميثاق حوكمة الشركات من أجل تنظيم العمل في هذه الشركات، ويتضمن هذا الميثاق أفضل الممارسات العالمية بهدف تعزيز سوق الأوراق المالية. والحوكمة بمفهومها العام تعني الإدارة الرشيدة، واتباع أنجع السبل من أجل خلق بيئة إدارية متقدمة تتميز بالشفافية والتوازن، وتحقيق عناصر الرقابة الإدارية والمالية والمساواة بين الموظفين أو متلقي الخدمة، وغيرها من المعايير الحاكمة في العمل الإداري. والحوكمة في مؤسسات الدولة أو الشركات الخاصة، تتسم بمعايير ثابتة، لكن مما يُحسب للسلطنة ومركز عمان للحوكمة والاستدامة أن هناك ثمة معايير موضوعة تضمن تحقيق الشركات والمؤسسات لأنظمة وبنود الحوكمة.

والمتأمل في تاريخ الحوكمة يجد أنها كمصطلح نشأ في ظل ما يعانيه العالم من أزمات مالية وتقلبات في الأسواق وأداء الشركات، في ظل غياب أنظمة حاكمة تُلزم هذه الشركات والمؤسسات على العمل من أجل تعزيز الشفافية والإدارة الرشيدة، تضمن حقوق المساهمين في الشركات وتعزز جهود زيادة الأرباح فضلا عن ضبط الموارد المالية للشركات والمؤسسات. ولا يختلف الحال مع المؤسسات الحكومية، فالهدف من تطبيق معايير الحوكمة يتمثل في حماية المال العام ومنع استغلال النفوذ لدى بعض المسؤولين، إضافة إلى تعزيز الشفافية، وكل هذه العوامل تسهم بدور كبير في التصنيفات الدولية للسلطنة في عدد من المؤشرات، وفي المقدمة منها مؤشر مدركات الفساد، الذي يعتمد في الأساس على معدل الشفافية في الدولة، وهو المؤشر الذي حققت بلادنا فيه أعلى ارتفاع عالمي في قيمة درجاته لعام 2018، فقد أعلنت منظمة الشفافية الدولية قبل فترة أن ترتيب السلطنة زاد بمعدل 8 درجات بالمؤشر، ما يعني نمو جهود الرقابة ومكافحة الفساد، لتحتل السلطنة بذلك المرتبة 53 على مستوى العالم من بين 180 دولة يشملهم المؤشر. المؤكد إذن أن جهودا مضنية تتواصل من أجل تعزيز الشفافية، وبلا شك فإنّ تطبيق آليات الحوكمة يسهم بصورة أساسية في زيادة نسب الشفافية وبالتالي ارتقاء السلطنة لمزيد من المراتب في مؤشر مدركات الفساد. إنني مؤمنة يقينا أن مؤسسات الدولة المعنية تبذل أقصى طاقاتها من أجل التصدي لمدركات الفساد، ليس فقط بهدف تسنّم المراتب العالمية، بل أيضًا لأننا نسعى إلى تحفيز بيئة الأعمال ودعم الاقتصاد الوطني، وهذا لن يتحقق إلا عبر سياسات شفافة، تعمل بالتوازي مع عناصر الجذب التي تزخر بها السلطنة، وعندئذ سنكون قادرين على جذب استثمارات نوعية لبلادنا تعزز من معدلات النمو الاقتصادي وتسهم في توفير الوظائف للباحثين عن عمل، ومن ثم تحقيق الرخاء والعيش الكريم لكل مواطن.