هل التاريخ يكتبه المنتصرون؟

يوسف عوض العازمي

 

"إن التاريخ يكرر نفسه لأنَّ الحمقي لم يصغوا إليه جيداً في المرة الأولى"

(الروائي أحمد خالد توفيق)

عند دراسة تاريخ المناطق وأهلها، وتاريخ القادة والشخصيات المحورية المؤثرة على مجريات الأحداث بالتاريخ بجميع أقسامه: القديمة، والوسيطة، والحديثة، والمعاصرة، تظهر روايات لم تكتمل، وحكايات يخدشها التناص المتناقِض، وقصص لم تتحقق منطقية أحداثها، هذا حال التاريخ من قبل وحتى من بعد، إلا بعض الأحداث التي اجتمع على صحتها المؤرِّخون.

المؤرخون -ومفردها مؤرخ- هو إنسان قبل أي شيء، قد لا يعلم عن سيرته ولم يتم التأكد من مصداقيته، وحتى أوضِّح أكثر، تصور أن "حدثا ما حصل بين مجموعتين؛ فمن البديهي أن يكون لكل جماعة رأي تاريخي مختلف عن الجماعة الأخرى، هذه طبيعية البشر"، وهناك فروق بين العقليات، وتفاوت في القناعات، واختلاف فلسفات التقييم بين هذا وذاك.

لذا؛ نلاحِظ أنَّ التحديث المستمر للمعلومات التاريخية مهم جدا "لاستجلاء الحقيقة الحقيقية"، بعيدا عن العاطفة وأهوائها، لا مانع من فتح ملفات تاريخية حصل حولها جدل واختلاف، هنا أركز على الملفات التي لا يُوجد لها أمر شرعي، كالسيرة النبوية، وبعض السير التي تم تأريخها وسبرها المؤرخون ولا حاجة للبحث بها، إلا عن طريق الدراسات والأبحاث والتحقيق التاريخي؛ لذلك التحديث يكون عن بعض الأحداث في العصر التاريخي الوسيط والحديث والمعاصر كمثال لا حصرا.

أمَّا إن تطرقت إلى فلسفة التاريخ، وأقوال الفلاسفة بشأنه، فسيكون رأي ابن خلدون مفضلا لديَّ؛ فهو يميل للتمييز بين الظاهر والباطن في التاريخ، لا يزيد على أخبار عن الأيام والدول والسوابق من القرون الأولى، وفي باطنه نظر وتحقيق وتعليل للكائنات ومبادئها دقيق وعلم بكيفيات الوقائع وأسبابها عميق؛ فهو لذلك أصيل في الحكمة عريق وجدير.

كما أنَّ رأي ابن خلدون يتمحور حول أنَّ الحضارات تمرُّ بعدة مراحل: الطفولة، والشباب، ثم الشيخوخة، ثم تأتي حضارة في مرحلة الطفولة وتأخذ الدور من الحضارة التي قبلها والتي وصلت مرحلة الشيخوخة.

الدكتور خالد الباطني أستاذ التاريخ بجامعة الكويت يعرف التاريخ بأنَّه تفاعل بين الإنسان والمكان والزمان والحقيقة.. أنا أقتنع بهذا القول؛ فالتاريخ لولا تفاعل هذا المثلث لما ظهر ولما قرأه الجميع. وأجد في تعريف الباطني وجاهة بهذا الشأن. لكنَّ التاريخ صعب لدرجة أنه قد يكون أخطر مهنة على وجه البسيطة؛ لأن ما يكتبه المؤرخ النزيه الأمين قد يتسبب في غضب ذوي نفوذ وسطوة، وقد تهدد حياته؛ لذلك يتداول كثير من الناس مقولة "التاريخ يكتبه المنتصرون"، وهي مقولة للكثير من المؤرخين وجهات نظر وآراء حولها؛ لأنها قد لا تعكس الحقيقة، بل تتقل وجهة نظر واحدة، وهنا يبدأ الاختلاف!

تعليق عبر الفيس بوك