بقايا حديث


هالة عبادي | سوريا

خنقتني العبرة حين سألني ابني وهو يتابع خبر غرق الطفل السوري"آلان" أواثقة أنت أن هذه سورية التي عدت بي لأكبر في ربوعها؟!!
لا يا بني ليست هي، ولم تكن سورية لتلقي بك هكذا يوماً إلى البحر، ولم تكن أبداً لتذيقك كل هذا القهر…غداً سيكون أجمل.
لكن السعادة ليس لها غد، إنها بنت اللحظة... بنت الحاضر....
بحرقة الأسف، بالحب، بأرق ما يكون الحب أحن إلى مدينتي وأهب كل ما في الوجود لقاء تجدد عهدي بها، "هناءة العيش فيها ...بساطته....وذاك الابتهاج الهادئ الحنون " .... ليت للشوق جناحان تحملاني إليها.
تمر الذكريات تمس شغاف القلب بفرح خفي، تملأ روحي ضحكات مجنونة، تعانق سمعي برهافة لحن لا يمل، لكنها سرعان ما تغيب، تتوق نفسي إلى سعادة كانت فيها، سعادة حتى الارتواء حتى الامتلاء، يرمقني الأمل متوعكاً شاحباً هزيلاً، يبتسم ابتسامة وانية ويسألني:
-    ألهذه الدرجة أنت تحبينها؟؟؟؟
-    وكأن بقلبي حزن ألف عام، كبير هو الشبه بين قلبي و مدينتي، فكلاهما مترع بالحزن محاصر بالدموع، وكلاهما فارق مكرها أحبابه، هي أحبت وأغدقت العطاء وصبرت، غابوا طويلاً عنها وانتظرت، وتعللت بالفرح أملاً باللقاء، لكم خذلوها لكنها تسامح فهكذا مدائن العطاء، ومثلها قلبي المدمى يحن للعطاء، وها أنا كلما لامسني الغياب لجأت للبكاء.
-ة لا يفصلك عن المدينة ، سوى أضلع تحيط بقلبك …
الظلام ينزل بلطف وأوائل النجوم تلمع في السماء، والصمت الذي غطى الكون يمزقه أنين قادم من مدينتي، مدينة جمالها كالشمس أنهكها الحصار والجوع، لكنها مثلي تحلم بالفرج ورغم ليلها الطويل تنتظر وروداً تنبت وسط الخراب تبشر بالربيع الموعود .
أعود إلى ولدي الذي ينصت لصمتي لصلاتي وخشوعي ، نعم بني إنها دير الزور درة الله التي أسكنها ضفة النهر لتوزع ورودها مناديلاً لدموع الحيارى ، التي تحكم صوغ المواويل فلا تترك ساكنيها للملل أو لشيء من الضجر ، التي يمتزج هديل حمائمها بخرير النهر ليعلن بدعةٍ أن آن أوان الفجر ، والتي تحمل الذاكرة منها أجمل الصور.
لا غرابة ألا يتركك الوجع وأنت تحيا بعيداً عنها غربةً طارئة ، ثمة يد خفية تحفر في قلبك لتفتح أبواب الحزن ، فلا ترتاح إلا إذا أنجزت رحلة الطواف في شوارعها الضيقة، وحول البيوت العتيقة ثم تعود نحو النهر، وتعبر من جسر إلى جسر.
تقيم على بقاياها صلاة الشعر ، تعزف موسيقى حنينك ، وترفع طرف ثوبها لتشاركك الرقص.
هذا الفرات ...فاخلع حزنك حين تستفيق الجراح وبمياهه اغتسل .

 

تعليق عبر الفيس بوك