احترام الخصوم: من الرياضة إلى السياسة

غسان الشهابي

عندما يتقابل فريقان رياضيان، ينصح المدربان اللاعبين بـ "احترام" الخصم، لأنّ الاحترام أولى خطوات الفوز. أمّا الاستهزاء به، أو تضخيمه أكبر من اللازم لا يولّدان إلا الخسران المبين.

هكذا شأننا مع عدوّ (إسرائيل)، وخصمٍ (إيران)، فلقد خسرنا كثيراً بنشر تقارير بشأن الكيان الغاصب بأنّه ينهار اقتصادياً، وأنّ مجتمعه مفكك، والناس يعيشون في رعب، وجنوده يُربطون بالسلاسل في دباباتهم لأنّهم جبناء، ومع ذلك ظلت أراضينا تنقص قطعة قطعة، واحتلالهم يقوى كل يوم ويترسّخ، وصرنا نتخبط في طريقة معالجاتنا لهذا الوضع، سواء كانت معالجات حقيقية أم مجرد استعراضات، حتى بتنا نخوّف بعضنا من جبروتهم، وألا حلّ للقضية الفلسطينية، وليس من بدٍّ من عقد السلام مع الكيان الغاصب والتسليم والتطبيع، أخذاً بالمثل: "اليد التي لا تستطيع قطعها... قبّلها".

وبالنسبة للخصم الإيراني، فتكفي مقولة حسن عباسي، الموصوف بـ "منظّر الحرس الثوري الإيراني"، في تصريحات نشرت له بتاريخ 30 يناير 2019 يقول فيها: "سنحوّل البيت الأبيض وفرساي وباكينجهام إلى حسينيات، وسنحتفل بميلاد المهدي المنتظر بمقر الحكومة البريطانية عام 2065"، متحدثاً عن شيء "قد" يحدث بعد 46 عاماً، وهو بحساب الأمم والشعوب ليس بالوقت الطويل، حتى وإن بدا اليوم ضرباً من الخيال، وقد يبدو التصريح اليوم مثيراً للضحك والسخرية، ولكنه يعبّر عن رؤى بعيدة المدى، إن تحقق نصفها فهو ربحٌ وفوزٌ أكيدين.

لا أشك للحظة بأنّ "الخصم" تعلّم من "العدو" أمرين: الأول أن يكون قوياً بذاته، يعمل على بناء قدراته الاقتصادية (الناتج الإجمالي المحلي 439.5 مليار دولار)، وعسكرياً وعلمياً، فجامعاتها من أقوى جامعات المنطقة، ولديها العشرات من مراكز البحوث في شتى الميادين. والثاني: النَّفَس الطويل، وهو من أهم أسلحة دول المؤسسات التي تسعى وراء تحقيق حلم أو مشروع، وإن كان غير مشروع أو غير أخلاقي، ولكن قصر الأنفاس والهمم كفيل بالإطاحة بأهم المشاريع وأكثرها نبلاً. وفي المقابل، فإن وسائل إعلام المنطقة - بشكل عام - توالي نشر التقارير ذاتها التي كانت تنشرها عن "العدو" – عن انهيار الاقتصاد، وتفسّخ المجتمع، وترنّح المؤسسات الرسمية... الخ، والدرس هو نفسه الذي لا نريد تعلمه.

احترام خصومنا وأعدائنا، وليس شرطاً محبتهم وموالاتهم؛ أول شروط التقدير الصحيح للمسافة فيما بيننا وبينهم.

تعليق عبر الفيس بوك