العقل أساس التكليف

رحمة بنت صالح الهدابية

لا يُقاس تطورك بمستواك المعيشي الذي أنت فيه بما تقتنيه من أملاك ومُقتنيات مختلفة أو بمستواك التعليمي بتفوقك وتميزك وحصولك على أعلى الشهادات من أرقى الجامعات أو قدرتك على السفر إلى أيّ مكان أردت الذهاب إليه أو حتى فعل ما يحلو لك من ممارسات وسلوكيات بغض النظر إن كانت مُناسبة لمحيطك الذي تعيش فيه أم لم تكن كذلك.

وإنما يُقاس بقدرتك على تحليل الواقع والتعاطي معه وانفتاح عقلك على الآخرين بتقبل آراءهم وأفكارهم التي ربما تختلف عن أطروحاتك وتوجهاتك التي تتبناها وتؤمن بها .

فمظاهر البذخ والثراء التي تظهر على البعض أو حتى يتعمد إظهارها بأي شكل من الأشكال عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو أي وسيلة كانت في اقتنائه منزلا فخما وامتلاكه أحدث السيارات وارتدائه من أغلى الماركات وأشهرها لا تعني بالضرورة أنَّ هذا الشخص مُتطور بالمعنى الذي نقصده فالبعض يلجأ للتباهي بمثل هذه المظاهر المادية وتقليد الغير ليس إلا للفت الانتباه لا أكثر.

فتطور الإنسان وانفتاحه مرتبط ارتباطًا وثيقاً بمدى تفكيره ونظرته للحياة ومواجهته لما يدور حوله من أمور وأحداث تتطلب عقلاً وقاداً وفكرًا مستنيرًا لتحليلها واستنتاج أسباب حدوثها والعوامل المسببة لها والآثار الناجمة عنها سواء أكانت هذه الأحداث سلبية أم إيجابية على حدٍ سواء.

فعندما يُنظر للشخص من منظور فكره وماهية عقليته التي يعيش بها وما يصحب هذه العقلية من إبداعات ونجاحات في المكان والمجال الذي يشغله بعيدا عن شكله ومظهره أو وضعه الاجتماعي يصبح التكليف هنا أمرا حتمياً وحاجة ماسة نظرا لما سيعلبه هذا التكليف في قادم الوقت من دور بارز في تعديل المعطيات وتغيير الوقائع إلى ما نطمح إليه من نتائج أفضل وبصورة أكبر بدلاً من تولية شخص آخر فاقد لمؤهلات التكليف ولكن بسبب سلطته ونفوذه في المجتمع يتم توليته للمناصب القيادية العليا وإعطائه صلاحيات كثيرة ليس جديرا بها.

 

فالله سبحانه وتعالى عندما شرع العبادات لما يكلف بها إلا العاقل فلا إثم على الصبي حتى يبلغ ولا على المجنون حتى يعقل ويكتمل عقله وينضج ويكون بذلك قادرًا على القيام بالواجبات المفروضة عليه.

لذلك فالعقل ركيزة أساسية من ركائز التكليف التي لابد من التنبه إليها لما تصنعه من فارق واضح وكبير أمام الصعوبات والعراقيل التي تقف كعائق أمام ما نُريد إنجازه من أهداف وطموحات مختلفة.

فعلى كل واحد منِّا أن يعي ويدرك أهمية عقله وأنه ليس للبيع يتبع كل ما يسمعه من أقوال أو يجرب ما هو مطروح أمامه من أفعال وممارسات ربما لا ترتقي لأن يقوم بتجربتها بدون أخذ أدنى فكرة عنها أو التفكير ولو للحظة فيما سيترتب عليه من آثار طويلة الأمد قد تعود عليه بالسلب أكثر من استمتاعه بها لدقائق معدودة بقدر سعيه وجده واجتهاده بأن يعمل على تنمية وتطوير عقله بتعلم واكتساب مهارات جديدة والخوض في غمار تجارب وتحديات جديدة كفيلة بأن يصبح من خلالها هذا العقل مستعدًا لمواجهة كافة الظروف والمتغيرات التي تتطرأ حوله بكل ثبات وإتزان.

 

تعليق عبر الفيس بوك