أبجديات العشق الفينيقي.. (1)


د. محمود رمضان | الدوحة

تغيرت كثيراً يا من كنت حبيبي وتبدلت الأيام..
ذهب كثيراً من الذهب وبهت بريق الأحلام..
وجهك القمري استدار أكثر والعيون تقدم بها الأعوام..
إحساس خفي يجتاحني ويؤلمني بوغز ذاكرتي يصل لحد النزف المتراكم خلف الأستار والأقلام..
خسوف من بعيد ألم بما كان يحتويني في جوف ذاك الكيان الذي كنت أزهو بنعيمه في حضن الحياة، حين كان العشق بين يديك سر من الأسرار، والأفكار، والطموحات، والأمنيات، والآمال، بلا عتاب يُذكر، سوى سيل من القبلات رفيعة المقام..
حين كان جل خلافنا ليس إلا كيف نحبو كطفلين بين شجيرات البرتقال لنروي الحب والوئام؟!
آه..
ثم..
آه..
مر طيفك في خاطري بالأمس، كريشة بيد كاتب من عصر عتيق ومحبرة وأوراق بردي ورقع من جلود الأنعام..
وطرقات في حلب الشهباء سرنا معاً بين جنباتها حتى وصلنا للمس الأكف وتعانق الإبهام للإبهام، وواجهات العمائر تزينت كأنها عروس في ليلة زفافها، وباقات فل، وعبير البكور وتغريد صوت العشاق عند الصعود لبوابة القلعة العظيمة، وعزف عجوز على الناي بلحن مفعم بالآمال، كأنها ألحان من قيثارة سماوية، وصوتك الجميل حين كنت تقولين..
افهمني..
افهمني أرجوك..
 إن أول الحب كلام..
كنت طفلاً يتعلم في مهد العشق، أبجديات حورية فينيقية أتت عبر الأزمان، لتحل روحها فيّ لنصير روحاً واحدة حلت في جسدين بكل إحكام..
كنتُ أقبل من بعيد مهرولاً لأفوز باللقاء قبل أي إنسان، وأرى لمعة العيون الجميلة، وكيف أن الوجنات الخجولة تزداد إحمراراً؟!
وكيف تتلألأ النجوم بثغرك الباسم، كفراشة تجسدت في حومها ركض مهرة جامحة يتلاشي أي شيء خلفها للقاء بكل الغرام..
الدرس الأول..
محمود..أترى هذا الكشكول؟!
أترى صفحاته؟!
نعم..
أراه..
إنه كشكول جديد أبيض الصفحات لم يخط فيه خط من أي أقلام!
نعم..
إنها صفحات جديدة بكر لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ من قَبْلَكَ وَلاَ جَانٌّ..
افهمني..
أنا مثله صفحة بيضاء..
يعني..
أنت..
أنت..
أنت حبي الأول..
فيا حب العمر ..
دلني!
دلني أرجوك!
اصغ إليّ..
أنت فرعوني الأوحد..
أنت بطلي المنتصر الذي أزال كل الهزائم التي كانت تعتريني وانكسارات الوصول لخط النهاية التي لم تتحقق في كل ما مضى من العمر المزيف، حيث كانت تحل ما تبرح أن تضع أوزارها قبل بداية الركض في حلبة العشق والمعارك والالتحام..
حينها..
لحظتها كانت تنكس الأعلام..
أعلام كياني التي رفعتها أنت عالية بشتى أصناف الجدارة والتمام..
أنت فنان..
فنان لأنك عرفت كيف تغزل وجدي لحمة وسداة على نول روحي المجهدة كأنها جدة عجوز لكل الأنوال والخيوط والألوان والأرقام..   
أنت قائدي الذي استسلمت له كل حواسي..
قائد أوركسترا وجودي والمؤلف والنوتة والآلات والعازفين والكورال..
لحظة..
لم أعد أخجل من التصفيق الحار وصدى صوت شهقات الإعجاب لذاك التخت الذي اعتاد الدندنة الراقية لمقام حجاز ونغماته بين الاستهلال والمضمون والختام، فحطمنا كل الأرقام في الأنام..
أصابعك تعزفني موسيقى حتى صار جسدي ينتفض كأن الحواس التي نامت دهراً تستفيق لتجن، تصير أبعد خلاياي عن قلبي قلبا،
دعني أحبك بقدراتي وعثراتي ونزواتي المحطمة التي تتوق أن تبث فيك كل احتلالاتي لكيانك طول العمر بكل الجسارة والإقدام..
أنت قمري في كل سماوات الوله مهما ولدت الأقمار..
إلى هنا..
انتهى الكلام..

 

تعليق عبر الفيس بوك