الكفاءة والفعالية والجدارة في العمل

 

علي العبيد

** خبير تدريب

 

تحتاج بعض المصطلحات والمفاهيم الإدارية أن يتم استيعابها من قبل العاملين والمهتمين بالشأن الإداري والحقل التدريبي بشكل دقيق وفي هذا النطاق نسوق بعض النماذج على سبيل المثال لا الحصر.

أولا الإدارة، وهي إنجاز الأعمال من خلال الآخرين من خلال التأكيد على ممارسة وظائف التخطيط والتنظيم والتوجيه والرقابة مع استثمار موارد المؤسسة للحصول على أفضل العائدات بأقل التكاليف. والإدارة تقوم بتوظيف وتوجيه القوى العاملة نحو الأهداف المخطط لها ويكون هذا التوظيف بحكم السلطة الوظيفية للمدير فهو يملك القدرة على توجيه الآخرين لأداء الأعمال بغض النظر عن تقبلهم ذلك من عدمه وهنا تبرز الفروقات بين القائد والمدير لأنّ القياده سمة ذاتية وجاذبية وفن سلوكي يتمتع بها القائد بخلاف المدير الذي يستمد قدراته من مركزه الوظيفي فقط وهنا نقول إنّ كل قائد مدير وليس كل مدير قائد لذلك فإنّ المدير الناجح من يتمتع بصفات القيادة الإدارية لممارسة وظائف ومهام عمله الوظيفي.

ويهمنا في هذا العرض تحديدا ثلاثة مفاهيم نود تناولها بشيء من التركيز وهي الكفاءة، من خلال إنجاز العمل -أي عمل- بطريقة سليمة بصرف النظر عن أهميته أو توقيته، والفعالية عبر إنجاز العمل الصحيح بطريقة سليمة في التوقيت السليم، والجدارة تعني إنجاز العمل الصحيح بالطريقة المثلى في الوقت المحدد بواسطة الشخص المختص المناسب.

هنا نلحظ أن هناك تسلسلا يربط بين الكفاءة والفعالية والجدارة؛ لأن الكفاءة نقطة الانطلاق وصولا إلى مرحلة الفعالية من أجل تحقيق الجدارة المثالية، إذن الجدارة تساوي العمل الصحيح زائدا الطريقة الصحيحة بواسطة الشخص الصحيح.

ومن حيث أنواع الجدارات الوظيفية، فإنّ طبيعة ونوعية الجدارة مرتبطة بالمسمى والدور الوظيفي فكل وظيفة لها جدارات خاصة بها علاوة على الجدارات العامة المشتركة مع الوظائف الأخرى. ويدخل في ذلك مستوى الوظيفة ضمن منظومة الهيكل التنظيمي للمؤسسة. وفي هذا فإنّ الوظائف الإدارية العليا تقوم بوظائف التخطيط والتنظيم والتوجيه والرقابة وتتطلب الحد الأعلى من الجدارات القيادية ومستوى أقل من الجدارات التقنية.

أمّا الوظائف التقنية فتكون مسؤولة عن الإنتاج والصيانة وتتطلب الحد الأعلى من الجدارات الفنية والتقنية ومستوى أقل من الجدارات القيادية، كما إنّ الوظائف التنفيذية تمارس عمليات الاتصال والمتابعة والتقييم العام المباشر وتتطلب جدارات إشرافيّة وتخصصية بحد أعلى وجدارات فنية وتقنية بحد أقل رغما أنّها تتميز ببعض الجدارات الإدارية في حدود مناسبة.

ومواصفات الموظف العادي تقتصر على المهارات الوظيفية المعتادة بصورة راتبة تمكن الفرد من أداء عمله في الحد الأدنى أو المقبول من الآخرين داخل أو خارج المؤسسة.

أمّا الموظف المجيد فيتميز بمواصفات مهارية تفوق المستويات المتوسطة وتتسم بمعدلات عالية الجودة في الأداء والاتقان مقارنة بزملائه في العمل وهذا يعبر عنه بمصطلح الجدارة وإن كان هذا التعريف لا يمنع أن يرتقي الموظف العادي من خلال التدريب والتجويد في الأداء ليغدو موظفا مجيدا بعد أن يتم تقييم مهاراته وخبراته العملية في ضوء المعايير المعمول بها علميا.

ويتوجب على كل مسؤول إداري أن يكون مُلمًا بمواصفات الوظيفة العامة منها والخاصة على وجه التحديد وذلك لضرورة معرفة مستوى تقدم أداء كل موظف وقد تختلط الأمور في مثل هذه الحالات بالنسبة للمؤسسات الضخمة مما يصعب مهمة المسؤول في متابعة تقدم أداء الموظفين لذلك لابد من الأخذ بمبدأ تقسيم العمل وتحديد نطاق الإشراف الوظيفي، وتفويض السلطات الإدارية للمستويات الإدارية الأقل مع الأخذ في الاعتبار أنّ المسؤوليات لا تفوض إداريا.

ومن الأمور الأخرى التي يجدر الانتباه إليها أنّ الموظف العادي قد يكون غير مدرك لنوعية الجدارات المطلوبة منه لتحسين أدائه فيبقى هذا الموظف يدور في محيطه الضيق لعدم توفر نماذج عملية ومحاكاة تطبيقية لقياس الجدارات الوظيفة وهذا مرده احيانا قصور الإدارة في توفير البيئة التدريبية السليمة للعاملين من برامج وورش عمل وتحفيز مباشر للعاملين لحثهم على بذل المزيد من الجهد والمنافسة الشريفة مع زملائهم وصولا إلى درجات عالية من الأداء لرفع معدلات الإنتاجية والخدمات عموما.

ومن السلبيات الإدارية أنّ بعض المديرين يعتمدون على الموظف المجيد وتوكل إليه كل الأعمال ويتم ترك الموظف العادي على حالته طالما أنّ الأعمال تجري في انسيابية لا تؤثر في نظرهم على الموقف الكلي للمؤسسة وهذا بالطبع يسبب تعطيلا لقدرات عدد مقدر من العاملين كان من الممكن تدريبهم والاستفادة منهم في دولاب العمل وتحسين مركز المؤسسة إلى مستوى أفضل.

 وتأسيسا على ما تقدم يتعين على الإدارة التنفيذية في المؤسسات تحديد مسار للجدارات المطلوبة لكل مستوى وظيفي وتحديد سماتها العامة وسمات الوظائف المستهدفة على وجه الدقة.

وفي هذا المساق يكون لكل موظف الحق في التنافس لعبور هذه المسارات المحددة لبلوغ مرتبة الجدارة بعد اجتيازه التقييم، والحصول على بطاقة النجاح لشغل الدرجة الوظيفية الأعلى كما يتوجب على الإدارات المعنية أن تصمم البرامج التأهيلية والإرشادية لصقل مهارات العاملين لديها بما يساعدهم على فهم واستيعاب محاور وأبعاد مصطلحات ومفاهيم الجدارة الوظيفية.

ولا يفوتنا أن نشير بإيجاز إلى أن الهدف الأساسي من تطبيق أساليب ومعايير الجدارة ليس تنفيذ الأعمال الروتينية وحسب بل القصد الحقيقي الوصول بالأعمال العادية إلى التميز والابتكار وولوج مضمار الإنتاج النوعي والإبداعي للمنافسة العالمية.

تعليق عبر الفيس بوك