ومضات فكرية من كتابات حاتم الطائي (48)



القوة الناعمة العمانية:
إنّ الفن أحد أوتاد الدبلوماسية الناعمة؛ إذ يرسَخ في وجدان الشعوب بفضل قدرته المذهلة على بناء الوعي الجمعي، وتشكيل المخيلة الإنسانية، ونحن في عُمان نؤمن بالدبلوماسية الناعمة ودورها في إحداث اختراقات بعيدا عن تجاذبات السياسة ومتاهاتها، فالفنون المغناة أعلى صوتا من أزيز الطائرات الحربية، وكلماتها أوقع أثرًا في القلب والعقل من نشرات الأخبار المدججة بأنباء القتل والتفجير.

الثقافة والفنون في فكر السلطان قابوس:
(1)     الحديث عن الثقافة والفنون في فكر جلالة السلطان متشعب ويشمل أغلب مناحي الحياة؛ إذ لم تقم نهضتنا المباركة إلا على أسس من الثقافة المستنيرة لجلالته- حفظه الله- والتي رسمت منهج التطور والتنمية الشاملة في السلطنة، فانفتحت عمان على العالم قبل نحو خمسة عقود، لتعلن عن نفسها لؤلؤة كامنة، تشع نورًا وبهاء يضيء الأنحاء من حولها، كمنارة سامقة تهدي المبحرين في دروب الحياة وترشدهم إلى موانئ الاستقرار ومرافئ السلام.. إلى عمان، أرض الحضارات المتعاقبة، والثقافات التي انصهرت في بوتقتها فأنتجت مزيجا فريدًا من الثقافة، مستلهمة المبادئ العمانية الأصيلة.

(2)     تحتل الثقافة والفنون موقعا أساسيا في مسيرة النهضة المباركة؛ إذ تُحظى باهتمامٍ سامٍ من لدن حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم- أيّده الله- وقد تجلّى ذلك في العديد من الصروح الثقافية والتراثية التي تزدان بها بلادنا، فمن القلاع والحصون العريقة إلى المكتبات ومؤسسات ومراكز صناعة الفكر وصولا إلى دار الأوبرا السلطانية مسقط وأيضا قبل أيام افتتاح دار الفنون الموسيقية الأولى من نوعها في السلطنة، تبرُز الرعاية السلطانية لمختلف أوجه التواصل الحضاري المتمثل في الفنون والثقافة والتراث.

(3)     الاهتمام السامي بالثقافة والفنون وضع- برأينا- جملة من الأهداف في المقدمة منها حماية مفردات التراث العماني، وقد قطعت السلطنة شوطا كبيرا في هذا الصدد، فنجحت في تسجيل عدد من المواقع والفنون في قوائم التراث المادي وغير المادي التابعة لمنظمة اليونسكو. كما إنّ من بين الأهداف إعادة الروح للفنون العمانية الأصيلة والتي تعكس جوانب حضارية تميز بها الإنسان العماني قديما، لاسيما الفنون الشعبية عبر توثيقها وحفظها للأجيال القادمة.

(4)     أعلى جلالة السلطان المعظم من شأن الفنون والثقافة، وحرص منذ بزوغ فجر النهضة المباركة على إنشاء المؤسسات والصروح الثقافية، ففي عام 1976 تأسست أول وزارة معنية بالتراث والثقافة، وكانت تحمل آنذاك اسم "وزارة التراث القومي والثقافة"، والملاحظ أنّ إنشاء هذه الوزارة في بواكير عصر النهضة يؤكد دون شك الرغبة الواضحة في تأسيس مسار تنموي قائم على الثقافة، يضمن الحفاظ على الموروث الثقافي والحضاري العماني، ويمهد الطريق نحو صحوة ثقافية بالتوازي مع عملية التنمية الشاملة وقتئذ.


الثقافة والفنون رسالة سامية:
(1)     الثقافة والفنون مشترك إنساني نبيل، يتعين علينا جميعا أن نتمسّك به وأن نحافظ عليه كي نضمن حياة مستقرة، قوامها التسامح وديدنها المحبة والإخاء والتعاون

(2)     إنّ الاهتمام بالتراث والفنون أمانة على الجميع تحملها والقيام بها، وما إنشاء الدور الثقافية والصروح الفنية إلا ترجمة لهذا الاهتمام.

(3)     الفنون غذاء الروح والعقل، بها ترقى الأمم وتتطور على قواعد الحق والخير والجمال، والإنتاج الثقافي للأمم- مع تنوعه وحيويته- يعكس الجوانب المضيئة والمشرقة على مر التاريخ، لما للفن من رسالة أصيلة ونبيلة تسمو بالإنسان وتعلو بمعارفه كي يبدع ويُجدد ويواصل مسيرة بناء الحضارة.

(4)     إنّ الحديث عن الأدوار الحضارية للفنون والثقافة في تطور الأمم يتكامل مع ما تحتفظ به الشعوب من عادات وتقاليد وقيم أصيلة، فلا تعارض بين الفن والقيم، بل ثمة تكامل في الأدوار وتوافق على الأهداف المبتغاة؛ وفي القمة منها إعلاء قيم التسامح والمحبة والوئام..

(5)     الفن رسالة نبيلة تسمو بالنفس البشرية فوق الضعف الإنساني، فبالفن يُبدع الإنسان وتزدهر الحضارات، فكم من حضارة عبرت المحيطات وانتشرت في ربوع المعمورة بفضل ما تتمتع به من فنون وثقافات..

(6)     العمانيون من أوائل الشعوب التي أبدعت فنونا وأنتجت ثقافات نالت إعجاب العالم، ففن العازي والرزحة والهبوت والبرعة والعيالة والمدار والليوا وغيرها الكثير، فنون عمانية أصيلة أبدعها آباؤنا وأجدادنا على مر العصور، ونقلوها لنا لتبرهن على تنوع وثراء حضارتنا الضاربة في عمق التاريخ.


دار الفنون الموسيقية.. الدور والهدف:
(1)     دار الفنون الموسيقية، هي الصرح الأحدث في مسيرة الاهتمام بالفنون والتراث، وتأكيد جديد على سمو رؤية جلالة السلطان للفنون والثقافة ودورها في تنشئة الأجيال على قواعد الرقي والجمال والتواصل الحضاري.

(2)     ستكون دار الفنون الموسيقية رافدًا ثقافيا آخر لما ستقام عليه من فعاليات فنية وثقافية فضلا عن إقامة المعارض المتخصصة داخل أروقتها الفخمة المعبقة بروح التراث العماني المذهل.


(3)     دار الفنون الموسيقية الجديدة تمثل إضافة جوهرية لدار الأوبرا السلطانية، ستستفيد من الدور الحضاري الذي أسست له الأوبرا السلطانية قبل ثمانية أعوام بفضل ما تم تقديمه من عروض أوبرالية وفنية وموسيقية حظيت باهتمام العالم وأثرت المعارف الفنية والموسيقية للجمهور في السلطنة، كما استقطبت سياحا من خارج البلاد ليشاهدوا عظمة هذا الصرح وروعته وبراعة الأداء المقدم على خشبة مسرح الأوبرا.

 

تعليق عبر الفيس بوك