علي بن مسعود المعشني
مشكلة البطالة أو البحث عن العمل هي مشكلة أزلية متكررة لا يمكن حلها ومواجهتها بالارتجال والحلول المؤقتة ولا بردود الأفعال لأنّها قضية حيوية ومفصلية في حياة المجتمعات والدول وقضية متعاظمة وتنتج نفسها في كل حين.
والعمل هو من الحقوق اللازبة للإنسان في حياته وفي وطنه على وجه الدقة والتحديد وبالتالي فتوفير فرصه بالتخطيط والاستراتيجيات ودراسات الاستشراف تبقى هي المجسات الحقيقية لمواجهة هذه المشكلة الكونية المتجددة. فالبطالة مشكلة متفجرة ومتشظية حين تُهمل وتُرحل من زمن لآخر دون وضع حلول جذرية ودائمة لها.
مشكلتنا في السلطنة مع البطالة بدأت تطل برأسها وبقوة وتشكل قضية رأي عام منذ بزوغ الألفية ثم تعاظمت لتتصدر قضايا أولويات الدولة والمجتمع لأنها باغتت الحكومة وتفوقت على خططها وقراءاتها لمؤشرات التنمية قراءة واقعية صحيحة.
ليس من العقل أو المنطق اليوم أن نعيد إنتاج أسباب المشكلة وتكرار تشخيصها فهي قضية واقعية وجلية كعين الشمس، ولكن ما يهمنا اليوم هو البحث عن حلول جذرية تنقلنا إلى مربع آخر من أولويات التنمية وبناء الدولة وتجعلنا نغادر اجترار هذه المشكلة وكأنّها مناسبة وطنية سنوية مفروض علينا إعادة إنتاجها وترتيلها وإلى مالا نهاية. فيما مضى من الزمن كنا نُراهن على أسعار النفط في جميع أوجه الإنفاق وأشكال التنمية، واليوم أصبح النفط هاجسًا من هواجس الإنفاق والتنمية بتذبذب أسعاره وعدم استقرارها وإلى درجة الإرباك لكل متابع ومخطط. وهذه الإكراهات المنطقية والواقعية على الأرض تحتم علينا مواجهة هذه المعضلة بعقليات متفتحة تواكب وتتناغم مع المستجدات ولغة العصر وفرضياته واستحقاقاته فمن واقع التجارب وتكرار الحلول وإعادة تدويرها، فإنّ المشكلة وحلها لا يكمن في التوظيف وتوفير فرص العمل في القطاعين العام والخاص، فقد تشبع القطاعان بالتوظيف العشوائي إلى درجة التخمة المعيبة، والتي أنتجت كل مظاهر وأعراض البطالة المٌقنعة وقضت على جملة معتبرة من خصائص الإنتاجية وتحسين الأداء ورفع الجودة سواء في الأداء الحكومي المُترهل أو القطاع الخاص المتواضع في شكله وأدائه ومضمونه، وبالنتيجة بلوغ نسبة الإنفاق على بند الرواتب والعلاوات في القطاع العام (المصروفات المتكررة) رقما مخيفا ونسبة مٌرعبة تُقدر بـ6 مليارات ريال عٌماني سنويًا وهو رقم يتعاظم سنويًا أي نسبة تتراوح ما بين الربع والنصف من موازنة الدولة سنويًا. هذا الرقم لابد أن يستوقفنا لأنه يعني إنفاقا مهولا في غير محله بهذه النسبة والحجم وفي هذا الطور تحديدًا من أطوار الدولة ومنسوب مداخيلها الريعية المتواضعة والمتذبذبة؛ لأنّ هذا الإنفاق سيكون على حساب تعطيل وتأجيل أوجه تنموية هامة أخرى وذات عوائد معتبرة للخزينة العامة للدولة.
من هنا يمكننا القول إنّ المشكلة تأتي في تعطيل آلية التقاعد الحيوي والجاذب لموظفي القطاع العام على وجه التحديد، والذي بوجوده ستتحقق آلية التوظيف والاحلال السلس وسينتج ترشيقا للجهاز الإداري للدولة دون ضرر أو ضرار ويمكن تحسين الأداء الحكومي ورفع منسوب جودته وإنتاجيته وتحقيق نسبة عالية من الرضا الوظيفي والضمير المهني.
وبما أن التقاعد الحيوي والجاذب لا يمكن تحقيقه وتطبيقه في ظل الأزمة المالية وتدني مناسيب الدخول والعوائد المالية للدولة والذي انعكس بطبيعة الحال سلبًا على صناديق التقاعد وعطل خططها الاستثمارية لغياب فائض الموارد المالية من أرصدتها، فإنّ البديل يأتي عبر الحلول الإجرائية والممكنات البديلة الأخرى، ومنها أهميّة التفكير الجاد في طرق ثقافة العمل الحر وترسيخها بمخطط وسعة أفق أكبر ومنح المتقاعدين نصيب الأسد والأولوية من هذه المساحة الاستثمارية، بقصد تحفيزهم على التقاعد وجبر ضررهم المادي نتيجته بالتوازي مع مخطط تنويع مصادر الدخل وتخصيص العوائد لصناديق التقاعد حتى نحقق التوازن المنطقي والمطلوب ما بين المستحقات الشهرية للمتقاعدين من صناديق التقاعد والحوافز الوظيفية الجاذبة لهم من عوائد العمل الحر. يضاف إلى ذلك التيقن بأنّ حوافز العمل الحر الجاذبة والعلمية ستستقطب بلا شك أعدادًا كبيرة من الشباب سواء العامل منهم في القطاع العام أو الراغب في الانخراط بالعمل الحر منذ بداية حياته العملية، وهذا ما سيُشكل حلًا علميًا دائمًا يخفف عن كاهل الدولة الكثير من أعباء المطالبات والتوظيف والتكدّس الوظيفي غير المبرر.
في تصوري أنّ الوقت قد حان للتفكير الجاد في إنشاء مصرف وطني ذي طبيعة تمويلية شاملة لنفترض تسميته بـ"بنك عٌمان الوطني"، يتأسس هذا البنك من دمج بنك الإسكان العُماني وصندوق الرفد وبنك التنمية العماني وصندوق مشروعات الشباب وأي أدوات تمويل حكومية أخرى، ويُناط به تمويل المشروعات التجارية والمنافع الحياتية للمواطنين، ويعاد من خلاله النظر بكافة أشكال وشروط الدعم القائمة حاليًا بما ينسجم مع لغة العصر والمنطق من جذب وتيسير ورعاية وتوجيه والتي من شأنها ترسيخ ثقافة العمل الحر وتحسين جودته ورفع مستواه ومنسوب الإقبال عليه مع إمكانية السماح للبنك بمزاولة العمل المصرفي التجاري لتعزيز دخله بالتوازي مع دوره الاجتماعي الأساسي.
وبهذه الخطوة السباقة يمكن القول إننا سنزرع ثقافة العمل الحر بصورة راسخة واسعة ومريحة ونجب عن الدولة والمجتمع أضرار الوظيفة الحكومية ونحفز المواطنين على طرق التفكير الإبداعي عبر العمل الحر.
قبل اللقاء: كل إنسان في حقيقته اثنان، هو وما يُمكن أن يكون. وبالشكر تدوم النعم.
Ali95312606@gmail.com