من أوراق الغرفة 406


فيفى سعيد | مصر
ستائر رمادية، سياج حديدى، نافذة تطل على العالم الخارجى، أسرَّة مكسوة بملاءات ناصعة البياض محاطة بكوميدينو لراحة المرضى، الأرض لا غبار عليها، رائحة الديتول تعبق المكان، أشتم رائحة الياسمين، حتى باب الغرفة معلق عليها زجاجات معطرة لتطهير اليدين.
ابتسامات الممرضات يوزعنها دون مبرر أو داع لها رغم برودة القلب وملامحهن الباهتة، هن يعلمن جيدا ما سيحدث لى فى الدقائق القادمة يعيروننى قميصا وبنطالا أزرق، لا يبالين إن كان مقاسى أم لا المهم أن أرتديه لا محالة.
أذهب معهن مكبلة داخل هذا القميص الذى تم إحكام غلقه من الخلف، شاحب وجهى، أحاول أن أسير على قدميَّ يمنعانى من ذلك لابد أن تجلسى على الكرسى المتحرك، ممنوع ارتداء الأحذية، ممنوع الكلام، ممنوع أن ترى أحبابك، لم يمهلننى لأنظر من السياج الحديدى لأراهم ربما تكون النظرة الأخيرة.
أتمتم وأقرأ الفاتحة وبعض من السور التى حفظتها ومن شدة الرهبة لا أتذكر سوى آية  واحدة وأصدِّق، أتلو أخرى وأخرى وأخرى فأصدِّق، رفعت وجهى وكفيَّ للسماء أنت تعلم ماذا أدعوك، تعلم بمكنون سريرتى، فأنا أمانة عندك وأولادى فرُدَّنى إليهم و رُدَّهم إليَّ .
لا أذكر شيئا، أنظر إليهن وهناَّ يقمن بغرز الحقن فى وريدى لا يبالين بآلامى، إنهن يكبلننى بمشجب حديدى وربطى بالسرير وكأنى هاربة من حكم ما.
أنظر إلى هناك ملامحهم باردة وباهتة لم يذكروا لى أننى بخير ولم يحاولوا أن يقولوا لى ستكونين بخير، فقط يضعوا جهازا وجهازا وجهازا، أرى غيوماً وأشباحاً تحوم حولى يتهامسون لامحالة، لا يوجد، لا............
ماذا يفعلون ؟!
أغمض عينيَّ لكى أراهم علهم يعتقدون أننى نائمة، أفتحها فجأة لأجدننى ها هنا .
ستائر رمادية، سياج حديدى، كثير من الأدوية على الكوميدينو والكثير من المحاليل والحقن المعلقة بيدىَّ.
أخيراً عدتِ ثلاثة أيام .
تأتى بملامحها الباردة وابتسامة باهتة لتغرز حقنة فى كل مكان بجسدى حتى المحلول لا أستطيع أن أصرخ.
أنظر فقط للستائر الرمادية والسياج الحديدى والنافذة التى لا أرى منها العالم الخارجى بالغرفة ٤٠٦.
أروح فى سبات عميق لأراهن.

 

تعليق عبر الفيس بوك