حقيقة ناقصة!

مُحمَّد السالمي

صَدَر، قبل فترة، تقريرُ التنافسية الدولية الصَّادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، ويُعطي التقرير تصوراً ومؤشرا عامًّا حول تنافسية الدولة في العديد من المجالات؛ منها: التعليم والصحة، وكفاءة المؤسسات.. وغيرها من المجالات. والذي أَظهر تقدماً ملحوظاً في تصنيف السلطنة، والذي أسعدنا، وأسعد الكثير من المواطنين. كما أنَّنا لا ننسى الاستهجان وعدم الرضا من التصنيف المتدنِّي في العام الذي قبله. لا ريب، أنَّ الجميع يسعى ويتمنى الأفضل لبلاده. لكنَّ السؤال الأهم: هل هذه المؤشرات الدولية تعطي تصوراً حقيقيًّا للوضع الذي نعيشه مقارنة بالدول الأخرى في التصنيف؟ والأهم: متى نستطيع إعطاء المصداقية والإنصاف حول هذه المؤشرات الدولية؟

عِند النظر في تقرير التنافسية، أو في مؤشر التنمية البشرية الصادر من قبل الأمم المتحدة، يتم اعتماد آلية القياس على الإحصائيات الوطنية أو الاستبيانات، وفي حال تعذر الحصول عليها يتم الاعتماد على آلية تقديرية لإعطاء التصنيف. لو أمعنَّا النظر في بند التعليم والصحة في تقرير التنافسية، نظريًّا وبصورة شمولية كلما كان الناتج المحلي الإجمالي للفرد أعلى، كان مستوى التعليم والرعاية الصحية في تزايد وارتفاع. وهذا يظهر جليًّا عند المقارنة بين الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة وألمانيا، ومقارنتها مع دول ذات الدخل المنخفض مثل الكونغو. وفي المقابل، هناك تفاوت كبير في تصنيف التنافسية في بند جودة التعليم أو المهارات بين الدول النامية ذات الدخل المرتفع؛ أبرزها يتمثل في دول مجلس التعاون الخليجي، خاصة في التصنيف السابق؛ حيث كان التفاوت يتعدى الـ30 إلى 40 مركزا. أما الآن، فالتصنيف بين هذه الدول نسبيًّا أكثر واقعية، ولكن لا يُمكن تسلميه كحقيقة مُطلقة. في السابق وللإنصاف، قد يكون هناك تفاوت واضح المعالم في بنود مثل حجم الأسواق ونصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي... وغيرها. ولكن ليس بالضرورة منح أفضلية التصنيف على حساب البنود الأخرى دون وجود إحصائيات داعمة لها.

وفي سياق آخر، العديد من المؤشرات الدولية ترتبط مع الناتج المحلي الإجمالي، ولكن هل يستطيع وحده تفسير الوضع الاقتصادي، والرفاه الاجتماعي؟ قد يكون مؤشر الناتج المحلي الإجمالي بعيدا عن الكمال، ولكن -وعلى الرغم من قيوده- لا يزال يرتبط بقوة بالكثير من المؤشرات الاجتماعية في أغلب الدول. إنَّ الاعتماد على الناتج الاجمالي كمعيار للقياس قد يُعطِي تصورا حقيقيًّا و شاملا عند المقارنة بين الدول ذات الدخل العالي والمنخفض جدًّا. وفي المقابل، لا يعمل هذا المؤشر على الإجابة عن بعض الأمور؛ مثل: توزيع الثروة، ومستوى السعادة على سبيل المثال. وبذلك، قد يُفضي لإعطاء حقيقة منقوصة عند اعتماده أساسا في بناء السياسات، أو بناء الأحكام عند مقارنة الدول في بعض البنود؛ مثل: الصحة أو التعليم، أو كفاءة المؤسسات مثلاً. ومن هنا، تبرز أهمية وجود مركز وطني للإحصاء، وتوسيع نطاق المنظومة المعلوماتية.

تكمُن أهمية البيانات والمؤشرات في اعتمادها كدليل لبناء السياسات. فهي تساعدنا على تحديد الأهداف والاحتياجات، ومراقبة التقدم. فبدون إحصائيات جيدة يكون التقدم أعمى أو دون المستوى المطلوب، بمعنى لا يستطيع صانعو القرار أنْ يتعلموا من أخطائهم، وأيضا لا يمكن لأعضاء المجلس ولا الجمهور المساءلة بكفاءة وإنصاف. ومن هنا، تعدُّ الإحصائيات أداة مهمة لإيجاد الحلول وتقييم مستوى التنمية الوطنية. ففي السلطنة، يُمثل إنشاء المركز الوطني للإحصاء والمعلومات إضافة مهمة لتعزيز التنمية.

ولا شك أنَّ النهج الحكومي في رفع كفاءة التعليم والصحة وباقي المؤسسات الخدمية في استمرار. في المقابل، لا يزال يُثار تساؤل حول مستوى الرضا عن الخدمات الحكومية المقدمة. ولا يُمكن الاعتماد على الإحصائيات الكمية وحدها في صُنع القرار وبناء الأهداف؛ فهناك بعض الأسئلة التي تحتاج إلى تحرٍّ؛ مما يستوجب إيجاد إحصائيات نوعية أو مزيج بين الكمية والنوعية. ففي التعليم على سبيل المثال: لماذا أغلب خريجي دبلوم التعليم العام لا يستطيعون اجتياز اختبارات اللغة الإنجليزية ودخولهم للبرنامج التأسيسي؟ أو لماذا نسبة تفضيل التعليم الخاص مقابل الحكومي في تزايد لدى متوسطي الدخل والعالي؟ أما على الجانب الآخر وفي الصحة، ما هي أسباب تفضيل كثير من ذوي الدخل المتوسط للرعاية الصحية الخاصة؟ يتوفر لدى المركز الوطني للإحصاء والمعلومات الكثير من استطلاعات الرأي والمسوحات التي قد توفر رؤية جيدة لمدى رضا المستفيدين من الخدمات الحكومية المقدمة أو مدى تطور القطاعات الاقتصادية. ولكن دعمها واعتماد بعضها كمؤشرات ربع سنوية أو سنوية، قد يُحسِّن ويضيف في المنظومة المعلوماتية.

تعليق عبر الفيس بوك