العنونة والصمت في"قاب جرحين" للجزائرية آمال شتيوي


أمين دراوشة | فلسطين

يبحث العمل الأدبي من خلال النص الرئيسي، إذا يمكن دراسته من جوانب عدة كالمكان والزمان والوصف ورؤية الكاتب والشخصيات...ونتيجة لتطور الفكر النقدي أخذ النقاد يهتمون بالنص الموازي، واعتبروا أن له أهمية كبيرة لأنه يشكل العتبة التي يدخل المتلقي إلى أجواء النص من خلالها. ومن النقاد الذين اشتغلوا على العنونه جيرار جينيت، الذي اعتبر إن النص "في الواقع لا يمكن معرفته وتسميته إلا بمناصه، فنادراً ما يظهر النصُّ عارياً من عتبات لفظيّة أو بصريّة، مثل: اسم الكاتب والعنوان والعنوان الفرعي والإهداء والاستهلال وصفحة الغلاف...". (عبد الحق بلعايد. عتبات "ج. جينيت من النص إلى المناص". ط1. الجزائر: منشورات الاختلاف. 2008. ص 50)
يختار الكاتب العنوان الرئيسي بشكل قصدي ليعبر عن النص دلاليا. فالعنوان هنا يعبر بالرمز والإيحاء عن فكرة العمل الأدبي، وهو "نسق مهيمن على محتوى القصة أو قصدية النص ملخصة فيه، بحيث لا نشعر بالعنوان واضحا جليا ملفوظا في الداخل. (سلمان كاصد. عالم النص. بغداد: منشورات دار الكندي. ط1. 2003. ص 18)،  ولهذا فهو جاء "تعبيرا عن رؤية الخارج إلى الداخل وليس العكس". (المرجع السابق. ص 18)
أمّا العنوان الداخلي، فهو "ما ورد داخل النص فنقل بلفظه، أو مرادفه إلى الخارج، وليس العكس وبذلك يحمل العنوان دلالته التي لا تحتاج إلى قراءة مغايرة أخرى، أي أنها تصبح ذات دلالة ذات بعد رمزي واحد". (المرجع السابق. ص 26)
وأفادت المعاجم العربية إن "العنوان" كلمة تشير إلى التعين كالاسم للشيء، إن العنوان، "بوصفه ملتبسا، هو تلك العلامة التي بها يفتتح الكتاب: من هنا يجد السؤال الروائي نفسه مطروحا، وأفق انتظار القراءة معينا، والجواب مأمولا. من العنوان". (فانسون جوف. شعريّة الرّواية. ترجمة لحسَن أحمامة. دمشق: منشورات دار التكوين للتأليف والترجمة والنشر. ط1. 2012. ص 23)
إن القارىء يجهل ما في داخل النص، وهو بحاجة لعنوان يبدد القليل من عدم اليقين، حيث تكون القراءة، "هذه الرغبة في معرفة ما يسترعي الانتباه على الفور كحاجة للمعرفة وإمكانية لها (وبالتالي باهتمام)، مثارا". (المرجع السابق. ص 23)
وشبَّه جاك دريدا العنوان "بالثريا التي تحتل بعدا مكانياً مرتفعا يمتزج لديه بمركزية الاشعاع على النص". (سلمان كاصد. مرجع سابق. ص 15)
والعنوان في القصة أساسي ولا غنى عنه، لانه يميز النص، "ويؤطره إذ يشار به إلى النص فيصبح كالدال على مدلوله حقيقياً كان أم تخليا". (المرجع سابق. ص 15) فهو الواسطة من أجل الدخول إلى البنية الدلالية للقصة أو المجموعة القصصية.
إن النص الموازي هو كل ما يحيط بالنص دون أن يكون هو النص، وهو "يلعب دورا رئيسيا في "أفق انتظار" القارىء. وهكذا، فالعنوان والتمهيد هما أحد هذه التمظهرات الأكثر أهمية". (فانسون جوف. مرجع سابق. ص 19)
إن مفهوم أفق الانتظار معادلا لمفهوم عقد القراءة، "ذلك أن كل المؤشرات التي يقدمها النص قبل الشروع في القراءة ترسم حقلا من الإمكانيات التي يدمجها القارىء بوعي منه إلى حد ما. إذ خيب النص أفق الانتظار، فثمة خرق لعقد القراءة، ولن يحدث التواصل بالكل". (فانسون. ص 22)
ويورد فانسون في كتابه وظائف العنوان، فله وظيفة تحديد الكتاب، كالاسم الذي يحدد شخصا، وله وظيفة وصفية، إذ يهب القارىء إشارات عن محتوى الكتاب. وهناك القيمة الإيحائية للعنوان والتي تحيل إلى المعاني التي يتضمنها النص، وأخيرا الوظيفة الإغوائية، فأحد الأدوار الرئيسية للعنوان هو إغواء الجمهور، وشد انتباهه، ولا ريب أن معايير الإغواء تحتلف حسب الزمن أو الجمهور المستهدف.

إيماءات العنونة
يدخل عنوان المجموعة القصصية في علاقة تناص مع قوله تعالى في سورة النجم: "ثُمَّ دَنَاَ فَتَدَلَّى(8) فكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى(9) فالآيات تتحدث عن عن قرب الملاك جبريل من الرسول عليه السلام، وهو يلقمه القرآن الكريم وتعاليم الدين، وتكذيب كبار قريش له في حديثه عن الوحي. لذلك يوحي العنوان إننا إزاء اقتراب شيء ما، ولكن يبقى الغموض موجودا ولا يومىء العنوان بمكنونات النص بشكل جلي، فالعنوان حقق الوظائف التي قال بها غانسون، فهو حدد ووصف وأوحى، وأغرى القارىء، وأثار فضوله لمعرفة الشيء الذي يدنو، وأن أبانت لفظة (جرحين) إننا بصدد شيء سيء يقترب حدوثه، ولكننا لا نعرف ماهية الجرحين.
وأيات السورة تتناول موضعات شتى كالحياة والموت، والصعوبات التي تواجه الإنسان، وكيف يستطيع الوقوف في وجه الصدمات، وتحقيق النجاح، ففي النهاية على الإنسان أن يعمل بجد من أجل الوصول إلى مبتغاه، والتوكل على الله. أما التواكل والكسل فلا يجلب غير الفشل والعقم، وتقدم لنا الأيات بعض النصائح لتفادي العجز، كقوله تعالى: "ما كذب الفؤاد ما رأى". (أية 11) وأيضا "ما زاغ البصرُ وما طغى". (أية 17) فالإنسان يملك الكثير من الأدوات والوسائل لمعرفة الطريق الصحيح وعليه استغلالها ولا يكتفي بالتمني، يقول تعالى: "أم للإِنسان ما تمنَّى". (أية 24) فالوصول إلى النجوم يتطلب الكد والتعب والجهد الكبير.
لقد بلور ميخائيل باختين مفهوم التناص ضمن حديثه عن الحوارية، "وينبني التناص الحواري على التضمين، والاقتباس، والمعارضة، والاستشهاد، وتوظيف النص الغائب، واستحضار كلام الغير نقلا وامتصاصا وتفاعلا وحوارا". (حميد لحَمداني. "بنية النصّ السّردي" من منظور النقد الأدبي. الدار البيضاء- بيروت: المركز الثقافي العربي للطباعة والنشر والتوزيع. ط2. 1993. ص 143) لقد تفاعلت القاصة مع سورة النجم، وإن لم يظهر تأثرها بشكل جلي في داخل النص من خلال الألفاظ، ولكن المعانى المتوارية موجودة في فضاء القصص، تقول في قصة "شرّ":
"طفلتي حطّمت  كلّ الآواني..
لأنّها سمعتني أقول، عندما ينكسر شئ ما :
ذهب الشّر بعيدا" ...(آمال شتيوي. "قَابَ جُرحَين..". باتنة- الجزائر: منشورات المثقف للنشر والتوزيع. 2016م. ص 74)
إن العنوان يوحي بوقوع أمرا سيء، والظاهر في القصة إنه تحطيم الطفلة لأدوات المطبخ، لأنها سمعت أمها تقول: إن كسر شيء يعني ابتعاد الشر القريب منا. فالشر الحقيقي في القصة هو التنشئة الاجتماعية السلبية، وزج الخرافات في عقول الناشئة من قبل الوالدين، مما يؤدي إلى تربية أجيال يتركزون في فكرهم على الغبيات والأمور الخالية من أعمال العقل والحواس.
وتتناول نفس الموضوع في قصتها "تصور":
"المرآة التي تأخرت في الانجاب ..
تخرج مساء …عملا بالنّصيحة ..
فتضع حزمة من النّقود في حذاء
أحد المصليين...". (ص 75)
يغيب العقل والتفكير السليم عن فكر المرأة، التي تأخرت بالحمل، فبدلا من الذهاب إلى الطبيب، تتبنى نصحية إحدى صديقاتها، بالتبرع ببعض المال بطريقة تنم عن غباء وبلاهة. فالعنوان يشي ببعض مكنونات القصة مع غموض محبب، فكلمة "تصور" لها معنى إيجابي للوهلة الأولى، غير أن الكاتبة فاجأت المتلقي في النهاية بتصور غيبي لا يقدم ولا يأخر في حللة مشاكل المرأة.
وتستمر القاصة في منحنا نماذج إنسانية تعاني الشلل، وعدم القدرة على الفعل، تقول في قصة "إحساس":
"ترسم ملامحه كل صباح...
تدور الآمنيات في رأسها..
تهرع تنبش في طيات خيبتها...
فجأة تبتهج ..لما ترى صديقاتها
غير المتزوجات...
تتمتم: قد خف وجعي...". (ص45)
فالمرأة التي بلغت من العمر سناً أصبحت معه فرصها في الزواج معدومة، لم تبحث عن الأسباب الحقيقة وراء فشلها في الحصول على الزوج، اكتفت بالحسرة والندم، ووجدت في صديقاتها العوانس مواساة لها، بدل الفعل الإيجابي. فهذا الإحساس بعجز الأصدقاء وهبها الراحة والرضا! فالعنوان كان ملائما للقصة، ومنح القارىء فرصة للتفكير، وما يمكن أن يتوقعه منه، فالإحساس يوحي بالحزن أو السعادة، يتساءل المتلقي عن ماهية هذا الإحساس؟
أما في قصة "سراب" فتقول:
"تأتيها صورته من وراء المرآة.
كشبح يغرقها في حزنها ..
تحطمها .. لتتخلّص من نظرات الخوف
تنتشر عيناه في كلّ ركن من البيت" .(ص22)
والعنوان هنا يعطي المتلقي إمكانية التنبؤ، فالسراب كما هو معلوم رؤية خادعة للماء في الصحراء، وفي القصة تخدع المرأة نفسها في كل مرة ترى فيه شبح رجل يبدو إنه أساء لها وحطمها، فهي لم تقم بمواجهة خوفها، بل استكانت له، فأخذ ينمو ويكبر.
إن على الإنسان أن يفعل الصواب في الوقت المناسب، لأن صعوبات الحياة ومشاكلها لا تتوقف، وإتخاذ القرارات الصائبة مرتبطة بالوقت، وإذا تأخر الإنسان بالفعل لا بد ان يحصد الخيبة، هذا ما تتناوله القاصة في قصة "انتقام" تقول:
"في عيد ميلاده..
رمقته يراقص صديقتها..
احمرّ وجهُها .. هرولت إلى غرفتها..
تزيّنت من جديد وارتدت أحلى ما عندها...
حين عادت كان الحفلُ قد انتهى".. (ص 49)
فالانتقام يعني الخسارة لطرف أو لعدة أطراف، والزوجة هنا التي كانت مهملة لزوجها، ولا تعتني بجمالها، ستحصد المرارة عندما يتركها زوجها ليراقص صديقتها، وعندما تتنبه للأمر كان كل شيء قد انتهى، فهي فشلت بمعرفة الخلل الذي اعترى حياتها، ولم تهتم بواجباتها، ولمّا عرفت أن يكمن العطب، تأخرت بإيجاد الحلول الملائمة فكان نصيبها الخسران والخذلان.
أما في قصة "ذكرى" فتقول:
"كان جدي كلما شاهد ألبوم صوره...
يتحسر بحرقة..
وهو يقول :
ماتت جدتكم وفي فمها كلام...". (ص 29)
فمن الحقائق الكبرى التي تواجه البشرية الموت، لذا على الإنسان أن يحسب للأمر عدته، يناضل في حياته، يحقق النجاحات، وعليه الاهتمام بمن حوله، وخاصة الأحبة، فالعجوز هنا يتحسر كلما رأى زوجته المتوفاه في الصور، لأنه انشغل عنها في حياتها وأهملها، فجاء الموت ليقول له: كم أنت خاسر! فالمرأة التي أحبتك ووقفت إلى جانبك رحلت إلى الأبد دون أن تمنحها ما كانت تصبو إليه، والندم يحرق العجوز ولا يلوي على شيء، فالذكرى مؤلمة وقاسية ولكنها لا تزول.

المسكوت عنه
في قصتها "انعكاس" تلجأ الكاتبة إلى استخدام تقنية البياض أو الصمت، والصمت يلائم القصة القصيرة جداً نظرا لمساحتها الصغيرة، ولطبيعة الزمن الحالي الذي يتصف بالسرعة والحركة، فالقصة القصيرة جدا تمتاز بالتكثيف والإيجاز، وقد لا تقول كل شيء وتترك للمتلقي الفسحة ليتنبأ، ويشارك في لذة الاكتشاف:
".. الهجرة .. الآحلام الوردية ..
.. أغرته الفكرة ..هرع الى البحر ..
الآمواج عاتية ..
تلفظ كل الآحلام ..
إنتهى كل شيء، على شاطئ مجهول". (ص 38)
والصمت هو "سكوت الشاعر عن إتمام كلامه قصدا، إما بقطع الجملة عن الإفادة الظاهرة المُنبنية على ما يقتضيه النظام اللغوي والنحوي، أو بجعل بعض أسطر القصيدة...فارغة إلا من النقاط، التي يشير بها الشاعر إلى كلام لا يستطيع التصريح به أو لا يودّه". (عبد الله بن سليم الرشيد. وقوفا بها، ثلاث ظواهر في الشعر العربي الحديث. بيروت: الدار العربية للعلوم. ط1. 2011م. ص 12).
الصمت يمنح القصة الإيحاء والإشارات، وأطلق عليه النقاد الكثير من المصطلحات كسطر النقط أو المساحة البيضاء، والبتر وغيرها.
فالصمت جزء من بناء القصة الحديثة، ويشكل كما يقول صلاح فضل" مساحة من جسد النص". (المرجع السابق. ص 25) ويشكل وسيلة لإيصال الرسالة التي يريدها القاص أن يوصلها للقارىء.
ويهب القارىء فرصة الاستمتاع بالتوقع "الذي يبرز الفاعلية التي يشكلّلها التفاعل الخلاق". (موسى ربابعة. الأسلوبية. عمان: منشورات دار الكندي، ط1. 2003م. ص 92) والمثير بين القصة وقارئها.
والصمت في القصة أدى إلى الغموض اللذيذ، والإبهام المستحب، وهذا يرتكز على براعة القاص في التعبير الضبابي، وكيفية إظهار ملكاته التعبيرية.
النقاط تأخذ القارىء إلى الحالة النفسية للشخصية، كألمه في الماضي، والحسرة والتحدي....هي ارتداد لكلمة التحدي، فما هو وقع التحدي على المخاطب؟
تقطيع النص بالنقاط قد يكون انتظار للاستجابة، فالشخصية فكرت بالهجرة، ورسمت أحلام عذبة عنها، واستجابت للتحدي فهرعت إلى البحر في قرار مستعجل ودون حسابات فكانت النتيجة الموت واندثار الأحلام.
مع انتشار الظلم والفقر والحرب في الوطن، يجد الكثير من الناس العذر في الهجرة إلى الخارج لتحقيق أحلامهم، حيث تعكس حالتهم في الوطن أوضاعهم القبيحة، بينما يروا الخارج مكانا للفرص والحياة الكريمة، غير أن القاصة تتخذ موقفا أيديولوجيا من الهجرة، وتعبر بقصتها إن قرار الهجرة خاطىء، وأن ثمنه باهض جدا.
كما تستخدم التقنية نفسها في قصة "مشهد" تقول:
"بين الانقاض، كانت عينا طفل دامعة ..
تبحث عن بقايا أكل..
تجمع صورا محترقة..
وكان الكبار يواصلون لعبتهم
بجنون...". (ص35)
يوحي العنوان إننا بصدد صورة، فما هو مضمونها؟ هناك طفل يبكي بين الأنقاض، فما الذي حدث؟ هي الحرب التي تطحن الطفولة وتسلبها حياتها، فالعينان لا ترى إلا الجوع والدماء في كل مكان، بينما عليّة القوم يمارسون هوايتهم بالقتل والدمار، وكان استخدامها جملة "لعبتهم بجنون" فرصة ليقف القارىء ويفكر بألعاب الكبار، ثم يردد مع نفسه: وسيستمرون بهذا اللعب إلى ما لا نهاية حتى يقضوا على أي إشارة حياة في الوطن، هذا ما تقول النقط والتي أرتأت القاصة مشاركة المتلقي في وضع النهاية لهذه القصة.
ظهرت الشخصيات في المجموعة قلقله ومحطمة ومضطربة، وغير قادرة على الانجاز والفعل الإيجابي، وتغيير حياتها نحو الأفضل.
وعند العودة لسورة النجم، وسواء اختارت القاصة التناص معها عن قصد أو بطريقة لا شعورية، فأن بعض محتوها يعبر عن الشخصيات والأحداث والأفعال، ففي الأية (29) يقول تعالى: "فأَعرِض عن مَّن تولَّى...". وهي دعوة للابتعاد عن الذين يحاولون النيل من عمل الإنسان الإيجابي، وضرورة عدم الخوض معهم، والانجرار لتفسيراتهم المغلوطة.
ويقول تعالى: "وأَّن لَّيس للإِنسانِ إِلَّا ما سعى(39) وأَّنَّ سَعيهُ سوف يُرَى(40)"
فالكاتبة أظهرت في قصصها نماذج إنسانية سلبية، تكتفي في تلقي الصفعات، وانتظار الحلول الغيبية، لذا هي شخصيات مهزوزة وعاجزة، بينما الأيات تدعونا إلى السعي إلى الحقيقة، والبحث عن الحلول الناجعة لمشاكلنا، وهذا ما ترمي إلية القاصة من قصصها، أرادت القول إن الإنسان ينال جزاءه في الحياة أمّا خيرا أو شرا نتيجة أفعاله وسلوكياته، وإن نتيجة أعماله سوف ترى، فأما يحقق النجاح المأمول، أو ينتهي مكسورا مدحورا.
لقد حققت الكاتبة المتعة للمتلقي، وجعلته يتفاعل مع شخوص قصصها. يقول جان موكاروفسكي المنظر الجمالي ومن السباقين في وضع نظرية جمالية للتقبل، إن النص استشراف مستقبلي، "وسيرورة تناصية، لا تتحقق فعاليته إلا بتفاعل التلقي مع الإنتاج. أي: لا يكون للنص حياة أو انتشار أو مقبولية إلا بتقبله من قبل القارئ الضمني أو الافتراضي الذي يدخل معه في علاقة تبادل وتفاعل وسجال". (الشكلانية الروسية في الأدب والنقد والفن. الدار البيضاء: منشورات أفريقيا الشرق. ط1. 2016. ص 180)
فدور المتلقي لا يكون إيجابيا إذا لم يقم بإعادة بناء النص، والمشاركة الفاعلة في الإنجاز التركيبي. فالقراءة هي التي تمنح القيمة للعمل الأدبي "من خلال التأويل، والانتقال من المحدد السيميوطيقي إلى غير المحدد على مستوى التواصل. ويمكن الحديث أيضا عن اختلاف القراءات الجمالية شكلا وكيفا، وتعددها من عصر إلى آخر". (المرجع السابق. ص 180)
إن غالبية القصص نجحت في تمثيل هذا النوع الأدبي، وبعضها لم ينل نصيبه من النجاح، لأنه جاء إنشائيا وافتقر إلى الحبكة واللحظة الدرامية، إلا إننا إزاء كاتبة مجتهدة، تواصل القراءة والإطلاع على كل ما هو جديد في عالم القصة، لذا ننتظر في قصصها القادمة أن تكون أكثر حرفية، وتنوع في موضوعاتها، ولا شك إنها وضعت اللبنة الأولى في مشروعها الأدبي، الذي ما زال في أوله، ولكنه يبشر  ظهور قاصة عربية مميزة ولها أسلوبها الخاص.

 

تعليق عبر الفيس بوك