علاج السلوكيات العدوانية

مدرين المكتومية

سلوكيات الأفراد تعكس منظومة القيم والتعاملات التي تربوا عليها خلال مراحل تطورهم، فضلاً عن تلك التي اكتسبوها من خلال التربية والمؤسسات التوعوية والأسرة وبيئة العمل والمجتمع بشكل عام.

وهذه السلوكيات تتضح في التعاملات اليومية وردود الفعل تجاه مُختلف المواقف، وأود أن أسلط الضوء هنا على السلوك العدواني لدى بعض البشر، السلوك الذي يدفع الفرد إلى الردود العنيفة في كل موقف بحنجرة ثائرة دون مبرر حقيقي وواقعي، لكنه يُدافع عن ثورته هذه بأسباب فضاضة وغير مقنعة، وهذا الفرد لا يملك القدرة على اختيار وانتقاء كلماته وإبداء الأسلوب المناسب في النقاش. هذا الأمر يتجلى بشدة حينما نجد الكثير من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي يتهجمون على مسؤول أو يتلفظون على شخص بطريقة عدوانية، فيظهرون ما في نفوسهم المريضة من سلوكيات سيئة لا تعكس الخلق الحسن الذي يُفترض أن يكون عليه المرء، وهذا السلوك لا يكون غالبًا وليد اللحظة، وإنما هو عبارة عن تراكمات ترسخت في شخصيته وترسبت في أفعاله وسلوكياته.

العالم الشهير سيجموند فرويد يرى أنَّ السلوك العدواني ناتج عن غريزة فطرية، وأنَّ العدوان رد فعل طبيعي لما يواجه الفرد من إحباطات، على مستويات مختلفة، وأن هذا الشعور ينبع من المشاعر والاتجاهات وتكون أسبابه اجتماعية ونفسية وأيضاً بيولوجية. ولقد بات من المؤكد أنَّ ثمة أسباب ودوافع أخرى تتسبب في ذلك السلوك العدواني منها الحرمان والإحباط والغيرة والظروف الاجتماعية أو المادية والأسرية أيضا. وعوامل التربية والتنشئة المجتمعية هي التي تشكل شخصية الفرد، فإما أن يكبر بصفات وسلوكيات تجعل منه إنسانًا طيب الخلق والذكر، أو عدوانيا وغير مرغوب مجتمعياً، ولا قدرة لأحد على أن يتواصل معه أو أن يستمر في ذلك. صحيح أنَّ الشخصية العدوانية تحتاج لمن يأخذ بيدها، ويمنحها المشاعر الإيجابية النبيلة، لكن أيضًا على الشخص العدواني نفسه مسؤولية أن يراقب نفسه، ليدرك جيداً طبيعة الصفات التي يعيش بها، عليه أن يحاسب نفسه بما قام ويقوم به يوميًا، حتى يجد الحل لكل ما يعيشه ويعاني منه الآخرون بسببه.

هؤلاء الأشخاص في العادة يعيشون مفتقرين للكثير من جوانب الحياة، فيصنع منهم الحرمان والظروف المحيطة أشخاصًا مختلفين على الرغم من دواخلهم التي ربما تكون نقية وطيبة، لكن ردود أفعالهم تسبقهم قبل ذواتهم، فتتحول الذات النقية الطيبة إلى أخرى سلبية هجومية ناقدة لأي حدث مجتمعي، رافضة لأي خير، حتى إذا ما تمَّ تعيين أو ترقية شخص ما في وظيفة ما أو منصب ما، صب جام غضبه وأبدى مشاعر الحسد والحقد، دون أن يمعن التفكير ولو للحظة في مدى سلبية مشاعره وردود أفعاله.

إننا عندما نحيا بين هؤلاء الأشخاص يتعين علينا أن نسعى للبحث لهم عن حلول لتخليصهم من كل ما يتجرعونه من ألم وعذابات، إنها عذابات داخلية هم أنفسهم غير قادرين على التعايش معها، لكنهم أيضًا غير راغبين في التخلي عنها.

هناك صفة أخرى مرتبطة بهذا النوع من الشخصيات، وهي الكبرياء، فأكثر هؤلاء الأشخاص دائماً ما يخشون التراجع عن سلوكهم الهجومي والعدواني ضد الآخرين، بسبب شعورهم بالكبر والغرور، إنهم أيضًا يشبعون رغبتهم المريضة في نيل إعجاب جماهير وسائل التواصل الاجتماعي بعدوانيتهم، ولذا مع كل صغيرة وكبيرة نجد أنهم يعلقون على الأحداث أياً كانت، سواء كانوا على علاقة بها أم لا، هم متفيقهون يجادلون في الباطل، ويبررون وكأنهم يمتلكون الحقيقة المطلقة، يستقبلون الأمور بنوع من المزايدات الرخيصة، وكأنهم موكلين عن المجتمع في الرد والاعتراض وإطلاق الاتهامات.

الحقيقة التي يمكن استنتاجها هي ضرورة أن نساهم في تغيير هذه السلوكيات والذي يجب أن يبدأ من الأسرة من خلال تربية الأبناء على حب الخير والعطاء وتقبل الآخر، فضلاً عن تأسيس المرء على قيمنا العمانية الأصيلة وغرس قيم الشجاعة والنبل في النفوس منذ نعومة الأظافر، ومن هنا نتفادى أي مشاعر إحباط أو ضعف أو عدائية مع المجتمع والآخرين.

إنَّ ما أصاب البعض- لاسيما على وسائل التواصل الاجتماعي- من مشاعر عدوانية يدعونا لتوجيه النصح والإرشاد للجميع، والتحذير من خطورة مثل هذه المشاعر على التماسك المجتمعي ومشاعر الألفة والحب في النفوس.