شيزوفرينيا


لميس الزين | سوريا

بدأت الحكاية عندما كنت صغيرةً، قبلَ مرحلة المدرسة. كنتُ أمارسُ لعبةَ التخيُّل بإفراطٍ، فمثلاً؛ أتخيلُ أنّ في المعدة رجالاً بحجم الإصبع، لا ملمحَ لهم سوى لونِهم الأسود، يتلقفونَ الطعام الذي آكلُه لقمةً لقمة، ويرتِّبونه على رفوفٍ مثبَّتة بجدران المعدة. الجبنة بمكان، والمربَّى بمكان آخر، وهكذا. لذلك كنت أحرصُ على تناول الطعام بترتيبٍ مُعيَّن كي لا أربكهم، فإن حصلَ وخرقتُ النظام الدقيق الذي التزمت به ندَّت عني صرختا اعتذار "آسفة، آسفة". فإذا تساءل أحد الفضوليين حولي عن سبب الأسف، كنت أجيبُ "ولا شي". وكأنّهم سيفقهونَ لو شرحت.
وكان هناك حرامي يسكنُ سقيفة المطبخ ذات الباب الموصَد، وهو ليسَ لصا مخيفاً. كما كان الكبار الأشرار يحاولونَ تشويه تلك المهنة الشريفة. هو حرامي مُحترَم أعرفُه جيداً، يرتدي قميصاً أبيضَ وبنطالاً أسودَ، لا يملكُ حذاءً، ولا بيتَ لديه سوى سقيفتنا، ينزلُ للمطبخ عندَما ننامُ ليأكل. فإذا ما أُرسِلت لإحضار كوب من الماء مساءً، كنتُ أعمدُ لإصدار صوتٍ قبلَ إشعال النور واقتحام حرم صديقي الحرامي، كي لا أحرجَه وهو يأكلُ.
انتبهَ أخي مرةً فقال لأمي: "بنتك مجنونة".
كبرتُ ومازالت تلك اللعبة تسكنُني. أؤسِّس معها عوالم تخصُّنا أنا وشخوصي، و لا يحقُّ لأيِّ كائن سواي الدخول إليها. أقتحمُ بها ما وراء الكواليس. أضيفُ أحداثاً وأحذفُ أخرى. أضفي الشرعيّة على جرائمَ، وأجرِّم ما يعتبرُه الآباء المنافقون تهذيباً. تزوجتُ من زوجٍ ثانٍ إلى جانب زوجي. زوج لا يحقدُ على الشعر ولا يشتم القصيدة. كنتُ أخفيه تحتَ السرير ليسَ خوفا من أن اُتَّهم بالخيانة. وإنّما خوفاً عليه من التلوُّث بأفكار الآخرين.
هذه هي القصة يا سيدي. هل أنا فعلاً مجنونة كما تنبَّأ أخي؟ مالكَ تبتسمُ؟ ابتسامتُك غيرُ مُطمئنة. بمَنْ تتّصلْ؟!

 

تعليق عبر الفيس بوك