عطرُ دُفلى


يوسف حطّيني | فلسطين


"أأنتِ هُنا"؟
قلتُ في ولهٍ
بعدَ حُلْمينِ
يكتنفانِ حياتيَ مثلَ الصَّدى؟
أيمكنُ  لي أن أصدّقَ
أنّ البلابلَ كسَّرَتِ الحدَّ
بين الحديقة والسّورِ
هل جئتِ من عطشي
كي أطلَّ على الفجرِ من لهفةِ النايِ
نحو المدى؟
وكيف دلفتِ من الحُلْمِ نحوي؟
أجاءت يداكِ
لكي تمسحا عن جبينِ الصباحِ
احتضارَ النّدى؟
وكيف وصلتِ برغم العساكرِ
والذكرياتِ العنيدهْ؟
وكيف تجاوزتِ برقاً ورعداً
وليلاً ومنفى وذكرى قصيدهْ؟
*****
لكِ اللهُ سيّدةَ الوردِ
حينَ تفتّحتِ في غرفتي
عطرَ دُفلى..
لقد كنتِ حلماً..
وما أجملَ الحلم حين تجلّى
وحين على شجرٍ من حنينٍ تدلّى
وحينَ طلعتِ على لهفةِ البابِ ظلّا
فأشرقَ فجر الأماني الشريدهْ
وكم قد فتحتُ لكِ الباب قبلا!!
وكم  خابَ ظنّي!!
وكم كنتِ أبعدَ من قطرةٍ
في سماءِ التمنّي!!
وكم كانَ حلمك فيما مضى محضُ وهمٍ
وكم كان برقُكِ لا مطرٌ بعدَهُ
أو ربيعْ!!
ولكنّكِ الآنَ قُربي
وبينَ يديَّ
برغمِ ذهولِ الجميعْ
فماذا يهمّ إذا كنتِ لي من جديدْ؟
سأسأل عينيكِ عن تربةِ الحقلِ
عن عسل النّحلِ
عن دمعةٍ هجعتْ في جفون الشهيدْ
وقد ردّدت صوتَه هدهداتُ الحناجرْ
"سأحملُ روحي....."
أتذكرُ عيناكِ حقّاً حكايةَ شاعرْ(1)؟
لماذا تطلّينَ من شغفي فجأةً
مثلَ قافيةٍ من عتبْ
سنابلُ شعرِكِ غائبةٌ لا أراها؛
ولكنّها من ذهبْ
وأحدسُ تحتَ الحجابِ نجوماً
وأحدسُ تحت الثياب لهبْ
تعالي لكي نشعلَ النارَ
يا حلوتي في المنافي..
عليكِ سلامُ القوافي
ولي وعليّ الضَّنى والتّعبْ
وجمعُ الحطبْ
*****
_ "سأذهبُ"، قلتِ،
وما كنتُ مقتنعاً بعدُ إني رأيتُك
حتى أضاءَ الحلَكْ
وأنتِ الّتي  فجرُ عينيكِ
يهتف بي: هيتَ لكْ
_ "سأمشيُ..
إذا كنتَ ترغبُ بي فافعلِ المستحيلْ"
_ أتمشينَ حقاً؟
وكيفَ سأنسى على شفتيكِ كرومَ الخليلْ؟
ووجهاً يخبّئ حقلاً من القمحِ
يحرسُه من خُطى ذئبةٍ جائعهْ؟
 وكيف سأنسى ظلالَ ابتسامَتِكِ الوَادعهْ؟
يَمَامَةُ
لا تذهبي الآنَ.. أحتاج دفأَكِ
ذوبي بصدري
وكوني لشِعري مِدادا
وكوني لصدري امتدادا
_ ألم ترَ أنّي لبستُ السّوادا؟
_ سأعطيكِ عمري.
_ "أتعرفُ مهري:
هناكَ على شاطئِ المتوسّطِ
حوريةٌ لا تنامْ
وزوجا حمامْ
يعيشانِ في قفصٍ من ضرامْ
وسورٌ ومئذنةٌ من سُخامْ
هناكَ أنا بانتظاركَ
حينَ البنادقُ تصحو
وحينَ ينامُ الكلامْ
***
مضتْ نحوَ ليلٍ بعيدٍ
وقالت سلاماً.
........
فقلتُ: عليكِ السلامْ
...............................
(1)    هو الشاعر عبد الرحيم محمود الذي استشهد في معركة الشجرة 1948، وقد اشتهر له البيتان التاليان: سأحمل روحي على راحتي... وألقي بها في مهاوي الرّدى// فإمّا حياةٌ تسرّ الصّديق.. وإمّا مماتٌ يغيظ العدا"

 

تعليق عبر الفيس بوك