مدرين المكتومية
مع مَطلع العام الجديد، تتجدَّد الآمال وتتعاظم الطموحات في مواصلة بناء الوطن، كلٌّ في مجال اختصاصه، وضِمن الآمال والأحلام التي نرجوها جميعًا تحقيق الخير لبلدنا، واستمرار نهضته، تحت ظلِّ قيادة باني نهضتنا حَضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -أدامه الله لنا عزًّا وذخرًا.
وثمة أمل يحدُوني مع العام الجديد، وهو أن يُشارك المسؤولون خططهم وتحديات عملهم مع المواطن، وأن يزيدوا من حجم التواصل المباشر معه عبر وسائل الإعلام؛ وذلك لن يتأتى إلا من خلال التعاون البناء بين المسؤولين والصحفيين، لكنَّ سياسة الجزر المنعزلة التي تُنفذها دوائر وأقسام الإعلام، أو مديرو مكاتب المسؤولين، لن تفلح، وستتسبب في إهدار الكثير من الإيجابيات التي كانت لتتحقق لولا تعنُّت مسؤول الإعلام في وزارة ما أو هيئة ما، ورفضه التعامل مع وسائل الإعلام، أو حتى عندما يقرر التفاعل، فإن ذلك يتم بصورة بطيئة ومعقدة مليئة بالبيروقراطية.
باتَ مُجتمعنا يفتقر للتواصل الحقيقي بين المسؤول والمواطن، انتظرنا المتحدث الرسمي لكل وزارة ولم يتحقق، أُعلن عن مركز التواصل الحكومي لكن لم تنعقد اللقاءات الدورية المأمولة، وحتى الآن الهدف الجوهري للتواصل لم يتحقق، والرد على التساؤلات وعرض وجهة النظر، غائبة عن الجمهور في كثير من الأحيان، لذلك ببساطة لغياب دور الإعلام. فما الحوارات الصحفية والتواصل المستمر بين المسؤول والإعلامي -كما عرَّفناها وتعلمناها في كليات الإعلام- إلا الوسيلة المناسبة للقيام بهذا الدور التواصلي؛ فالإعلامي ينوب عن المواطن في طرح التساؤلات على المسؤول، وينوب عن المسؤول في تقديم الإجابات والتفسيرات للمواطن؛ وذلك دور يجب أن تؤديه كل المؤسسات الاعلامية: الصحفية والإذاعية والتليفزيونية.
إنَّ على المسؤول أن يحرص دائمًا على أن يوضح ويجيب عن كل التساؤلات حتى وإن كانت مُكرَّرة ومعادة، خاصة وأن المواطن بحاجة لأن تتكرَّر لديه الإجابة حتى تترسخ في ذهنه الفكرة التي تعالج قضية ما أو تفسر مسألة مجتمعية، فعندما يكرر مسؤول أي حديث عن قضية بعينها أو يوضح مسألة ما، لا يعني أنه لا يملك الجديد ليضيفه، لكن هناك ما يجب أن يستمع إليه المواطن بشكل متواصل ومتكرر ليكون على دراية.
صُحفنا باتت تعاني من صعوبة الحصول على تعليقات وتصريحات من المسؤولين، وفي المقدمة الوزراء ووكلاء الوزارات ومن في حكمهم، وهؤلاء هم المسؤولون والعالِمُون ببواطن الأمور في مؤسساتهم، أما مسؤول دائرة الإعلام، مع كل التقدير والاحترام له، في أغلب الأحيان ليس سوى وسيط بين الصحفي والمسؤول، رغم أن هذه العلاقة المهنية بين المسؤول والصحفي لا تحتاج إلى وسطاء، بل تواصل مباشر حتى تكون الرسالة مباشرة للمواطن وواضحة وصريحة وضوح الشمس.
من المؤسف أننا أصحبنا -كصحفيين- ننتظرُ ونترقبُ المسؤول في مؤتمر أو منتدى أو حتى حفل تكريم، حتى نَطرح عليه ما نُريد من تساؤلات تصب في صلب العمل الصحفي والإعلامي، نتحيَّن الفرص التي يحضر فيها المسؤول فعالية ما لنسأله عن جوانب عديدة في مؤسسته أو وزارته.
الأمثلة عديدة على تراجع العلاقة بين المسؤول والصحفي؛ منها أنَّنا سعينا لإجراء حوار مع مسؤول في إحدى مؤسسات الدولة، ورحب المسؤول وحدَّد موعدا، لكنَّ الزملاء في دائرة الإعلام قالوا إن الأمر لا يحتاج لحوار، وأنهم سيرسلون "مادة صحفية" لجميع الصحف! هكذا بكل بساطة ينسف مسؤول دائرة الإعلام جهود الصحفي ومبادرته، بإرسال مادة صحفية لجميع الصحف، فتتساوى الصحف التي يجتهد صحفيوها مع الصحف التي ينتظر صحفيوها "الأخبار الجاهزة".
اللَّوم لا يُلقى بأكمله على عاتق مسؤول دائرة الإعلام، بل أيضا المسؤول الحكومي في منصبه؛ فهو لا يريد التحدث مع الإعلام، يفضل دائما أن ينشر الإعلام "إنجازات" وزارته أو مؤسسته، لا يفضل أن يناقش القضايا الجدلية المطروحة في المجتمع، يسعى لأن تنشر الصحف أن "الأمور بخير".
نسعد دائمًا عندما نجد المسؤول مُتفاعِلا مع الإعلاميين؛ سواء من خلال الاتصالات المباشرة أو المراسلة المباشرة، أو حتى عبر وسائل التواصل الاجتماعي. إننا عندما نجد العقبات والعراقيل في العلاقة بين الإعلامي والمسؤول، ونتساءل من المستفيد من ذلك؟ هل المسؤول يخشى من عدم قدرته على ما يُطرح عليه من تساؤلات؟ أين الشفافية في التعامل مع القضايا المجتمعية؟
خيرًا تفعل بعض المؤسسات من جهود حقيقية ومقدرة في التواصل مع الإعلاميين، والرد على ما يثار من قضايا، وإذا ما تأملنا في ذلك، نجد أن هذه الجهات هي الأكثر قربا من المواطن، والأكثر نيلا للإشادات من قبل المواطن، الذي يَعِي جيدا أن هذه الجهة أو تلك تعمل لأجله بكل شفافية ووضوح.
القضية في حقيقتها تتطلَّب مزيدا من الثقة من جانب المسؤول في وسائل الإعلام، على المسؤول أن يتخلى عن النظرة القديمة للإعلام بأنه فقط يقوم بإبراز الإيجابيات والإنجازات، والتي لا ننفيها بالقطع، لكن سُنة الحياة أن نواجه تحديات وأن نجد مشكلات نسعى لحلها بالطرق العلمية.
إنَّنا وقبل سنوات كُنا نمارس عملنا الصحفي بأريحية أفضل من الوقت الحالي، وقت أن كان المسؤولون يتواصلون مع الصحفيين، ووقت أن كان الصحفي ينشر الانفرادات الصحفية ربما مرة أو مرتين كل أسبوع، لأن الجميع كان يؤمن بأهمية الإعلام في توعية المواطن بما تحقق من منجزات، وما يتم بذله من جهود لتخطي العقبات.
إنَّني أنشاد الوزراء ووكلاءهم وجميع المسؤولين بأن يمنحوا الإعلاميين مزيدا من الثقة في التواصل المباشر معهم، بعيدا عن أية إجراءات بيروقراطية لن تخدم مسيرة التنمية، بل ربما تتسبب في مزيد من "القيل والقال"، ووقتئذ الحلول ستكون أصعب بكثير.