في قضية التقاعد الاختياري

عبدالله العليان

بعد التوجيهات السامية بتوحيد منافع التقاعد، والذي صدر في نوفمبر 2013، كتبت كثيرا حول هذا الموضوع، والحاجة إلى تطبيقه، بعد الأزمة المالية العالمية لانخفاض أسعار النفط منذ عدة سنوات، وكتبت ذلك بعض وسائل التواصل الاجتماعي، عن أهمية العودة لتطبيق هذا القانون الموحد المشار إليه آنفاً، والذي تتمتع به العديد من الوزارات والهيئات بالدولة من عقود طويلة.

وقد تأجَّل الأمر بسبب الظروف المالية العالمية لأسعار النفط، ونحن نقدِّر هذه الظروف، ولكل حالة مطلبها، لكن الآن بعد تحسُّن هذه الظروف، والحاجة لإيجاد فرص عمل للمخرجات الكبيرة للشباب في شتى التخصصات، فإنَّ مطلب إعادة النظر في تطبيق توجيهات جلالته المعظم لهذا التوحيد وتطبيقه، أراه مهمًّا وضروريًّا؛ ذلك أنَّ لدينا بجهاز الدولة المدني عشرات آلاف من الموظفين، ليس لهم عمل فعلي، وتكتظ بهم الكثير من الوزارات والهيئات، وقد قضى بعضهم ما يقرب من 30 عاماً وربما أكثر؛ فهؤلاء في رأيي يؤد الكثير منهم أن يجدوا ميزة تشجعهم لطلب التقاعد الاختياري، ويُتاح لهم المجال للتفرغ بعضهم لعملهم التجاري. ومن جانب آخر، ليتاح لأبنائهم الشباب، وهذا ما يجدونه في نظام التقاعد الموحَّد الذي جاء بالأوامر السامية في 2013.

والحقيقة أنَّ هذه الأعداد الكبيرة من الموظفين في العديد من الوزارات والمؤسسات والهيئات الحكومية -كما أشرنا- أصبح بعض هؤلاء عبئاً حتى على العمل الإداري -إن صح ذلك- أو أنهم لمن يعد يُسند لهم مهام، ونعرف أن بعض الجهات عندما لا تحتاج لبعضهم، يعطى مُسمَّى خبير أو مستشار، أو مشرف عام، أو إداري أول، ويتم تجميده بلا عمل، وهؤلاء ربما يمثلون بين 20 أو 25% من عدد الموظفين، وهم للحقِّ قدموا عملهم بكل إخلاص، لكن لكل وقت حاجته وضروراته، وهذه حقيقة تحتاج مراجعة ومعالجة جدية للأمر، وقد أشرتُ في أحد المقالات السابقة إلى هذا الأمر، وقُلت بالنص: "إنَّ تطبيق هذا القانون الجديد، سيدفع الكثير من الموظفين في الدولة، لطلب التقاعد الاختياري، خاصة وأنَّ بالدولة عشرات الآلاف من الموظفين، الذين أمضوا في العمل بالدولة لمدد تزيد على ربع قرن، وبعض هؤلاء في درجات مالية كبيرة، والدرجة الواحدة ربما تعادل أربع درجات لموظفين جدد من الشباب، يتم تعيينهم، وهذا في صالح الدولة، وليس العكس في الأساس من حيث تُخيف الأعباء المالية الكبيرة للدولة في ظل الظروف الراهنة".

وإتاحة الفرص للكثير من الشباب الذين ينتظرون فرصًا للعمل، وبعضهم لهم ما يقارب خمس أو ست سنوات؛ سواء من المخرجات الجامعية، أو من الثانوية العامة، وما يتقارب معها من الخبرات الإدارية والفنية، وهذا بلا شك مُعادلة نراها إيجابية لحيوية الجهاز الإداري وتجديده بشباب طاقتهم، تلعب دوراً مهمًا في النشاط الإداري، وهذه أصبحت مطلباً للتغيير، أو كما سمَّاه أحد المسؤولين بـ"الترهل"، عند عدم التجديد أو الجمود، وهذه الترهُّل كما يُسميه البعض يحتاج "كمن يلقي بالحجر في المياه الراكدة"، وهذه سُنة الله في خلقه؛ فالحياة تحتاج إلى تجديد، والتجديد يصبح ضروريًّا بين الوقت والآخر، وليس إجباريًّا أن هذا يحدث، وهذا نعرفه جميعا، وهو لم يعد مطبقاً الآن، كما كان منذ عقدين تقريبًا، بل إنَّ المقصد الذي نراه إيجابيًّا أن يعطى مزايا النظام الموحد أو قريب منه لتشجيع هؤلاء للتقاعد الاختياري، كما أن التقاعد الاختياري الذي نطلبه في الظروف الراهنة لا يعني أن يُفتح الباب لكل راغب، فهذا تقدِّره الدولة؛ فمُمكن أن تتم الموافقة على التقاعد الاختياري على مراحل (تقدَّر بقدرها - كما تقول القاعدة الفقهية) ووفق مراحل سنوية، وكل عام يُسمح لِعدة آلاف لهذا الاختيار، ومن خلال درجات مالية أكبر لأصحابها، ويكون ليس للجهاز المدني حاجة لهؤلاء عند طلب التقاعد الاختياري، وهذا الأمر نعتقد أنه سيكون معقولاً ومقبولاً؛ لأن المزايا ستكون دافعة لهم.

ولا شكَّ أن تزايد المخرجات الكثيرة من الجامعات، أصبح الأمر ماسًّا لوضع بعض الحلول وإيجاد المخارج لها، وهو أن يكون لهؤلاء الشباب الفرص للحصول على الوظيفة المناسبة، سواء في القطاع العام أو القطاع الخاص، وهذه الفرص لن تأتي إلا من التخطيط اللازم، في أي خطة خمسية، أما التوقف -وأقصد في القطاع العام- ومسألة فتح الباب للتقاعد الموحد، للكثير من الوظائف التي ليس لها الحاجة الضرورية، فأعتقد أنه أصبح مُبرراً لهذا الأمر مع ازدياد عدد الباحثين خلال الأعوام الماضية، وهذه أعتقد لا تخسر الدولة ماديا، بل يتم هذا من صندوق التقاعد، على مراحل متدرجة كما قلنا، والوظائف الجديدة التي ستتاح للباحثين عن عمل، من خلال الدرجات التي خلت من التقاعد الاختياري، وهذا ما نعتقد أنه إيجابي.

هذه رسالة لمن يهمه الأمر.