الروح.. المَعنى والمغزى


عديلة بنت مال الله اللواتية | مسقط
أنا .. روحٌ... تنتمي إلى صانعِها، ألبَسَها اللهُ الجسَدَ لأغراضِ رحلتها الأرضية، ريثما تنزعهُ    وتعودُ إليه - روحٌ مجرّدة -  لأنها تُوقِنُ قولَه تعالى؛ " إنّا لله وإنا إليه راجعون".
وفي مسرح الأرض؛ عندما تُبحِرُ الذّات في هذه الحقيقة وتعيَها،  فأنها تُغيّرُ منهجَها ومسارَها ..... تسافرُ في (خلَواتٍ) من الصَمْت والتأمُّل إلى موطنها الخالد؛ إلى مملكة الروح.. إذِ الروحُ من أمر الله،  وهي نيِّرَةٌ بنورهِ في كلّ حالاتها.. وإنما تحجبها المؤثرات الخارجية الأرضية من التفاعل بهذا النور.
ويوماً بعدَ يوم، وفي رحلة التعلُّم والتغيير، وعَبرَ تأمُّلاتِها، بعيداً عن ضجيج الأفكار اليومية، فإنّ هذه الذّات تكتسبُ الهدوء والسكون الداخلي،  فتتّسعُ جذوةُ النور لتوقِظَ المَلاكَ النائم بداخلها، ملاك الرُّوح؛ الرُّوح المنتمية إلى القوّة المُطْلَقة والحقيقة الخالدة  التي ستعودُ إليها يوماً.
تستكمل الذّات تأمّلاتها واتصالها العلوي بنور الرحمن، وتستكشف عناصر هذه الرُّوح في داخلها؛ الحب - السلام  - النقاء - العطاء - البصيرة - الحق والحقيقة.... وهنا. تقرّرُ الذّات  أن تَدَعَ السيادةَ (للرُّوح) لتقودَ كُلاًّ من الجسد والعقل والقلب،  وتغذّيهم بقوّة النور الذي تستخلصهُ من نور الرّحمن اللاّمتناهي، وتضفي على الجميع  من صفاتها الفِطرية الأصيلة.
وعندما تكونُ الرُّوح هي (القائد)، فإنها تُلقي على منظومة  الجسد والعقل والقلب إفاضات الحب والسلام  والصفاء  والعطاء والحكمة  والاستكانة.. كي يسيروا بها في دراما الحياة وتعاملاتها، بلِحاظِ إدراكهم بأنّهم ليسوا الاّ رُوحاً ستعودُ إلى الربّ تاركةً وراءها كلّ شيءٍ آخر. وبذلك؛ تتصاغرُ لدَيهم قيمة الممتلكات الجسديّة والتعلّقات الشخصية  والمثيرات البشرية وأسماء الشُهرة والوظائف، ويتّمُ وضعُها في ملفِّ الاهتمامات الثانوية.
وعندما يرتفع الوعي بالحقيقة، يصبحُ هيّناً سهلاً ماكان يُعَدُّ في السابق صعباً وشاقّاً، ويَتقوّى الاحترام الذّاتي، فتتحرّر الذات تدريجياً من الأفكار المضيّعة للوقت والطاقة في ساحات العلاقات والتعاملات  والأحداث اليومية، وتمكثُ  في راحةٍ وسكينة. فلا تنتظرُ مدحَ الآخرين لها، ولاتتألّمُ لما يُقال عنها، ولاتُفكّر لأحدٍ بسوء، ولاتغارُ من نجاحات الآخرين.
يتهذّبُ الطفلُ المشاغِب بداخلها، فتترك ُردودَ الأفعال  والتبريرات والانتقادات وإصدار الأحكام على الآخرين - فلانٌ بخيل  وفلانٌ جاهل، أو أحمق  أومتخلف أو كاذب أو ظالم .... إلخ - ،، إنها تتخلّى عن دَور (المايسترو) الذي يتحكّم  في أداء كل أفراد الفريق الموسيقي، وتركّزُ في أداء دورها..  تظلُّ مراقِبةً في صَمْت لتصرّفات الآخرين  وليس مُنفعلةً  متحكّمةً  حاكمة {إنِ الحُكمُ إلاّ لله...} إنها تتعاملُ بمنطِق قوّة (الرّوح) المرتبطة بقوّة الله والعائدة إليه، فترى الآخرينَ من حولها (أرواحاً) تتقبّلُهم وتبّثُ لهم نصيباً من ذبذبات طاقتها؛ طاقة  الحب والسلام والخدمة، عساهُم يتَلقّونَها فتُحدِث ُفيهم أثراً ونوراً.
إنّ رجوعَ الذّات ملِيّاً إلى نورِها الداخلي واتصالها بنورِ الملِك ونورِ أسمائه الحسنى، يمنحُها إشراقاً ربانيّاً وقوةً رحمانيّة.. تشدُّها إلى مفرق الطريق للعالم الأعلى، فتعشقُ أسماءَ الله وصفاتهِ  وتدعوهُ بها؛ أي تدرسها وتضَعها قيدَ التطبيق في كلِّ لحظة. وفي هذا المسار إلى الذات العليا، فأنها تتخفّفُ شيئاً فشيئاً من صخَبِها وأثقالها الأرضية، وتُكمِلُ مشوارَها على الأرض بينما هي في حالةٍ من الصعودِ إلى الرّحمن.. وعَودةٍ إلى المالِك الحقيقي، خفيفةً  نورانيّة.

    

 

تعليق عبر الفيس بوك