خروجا عن الإتيكيت


سماح البوسيفي | صلالة – كاتبة تونسية

1-    قلب واحد وجسد وحيد
نكاية بالرقم الحزين واحد تعلمت الكتابة مرتين: مرة وأنا أصف حزني من بعيد أمشي بجانبه وأكتب ما يقع له ومرة وأنا داخله وأكتب عنه  ما يقع لي.
شيئان ضروريان لمعرفة حقيقة السفر:
متعة الغربة عندما تظل المسافة هي ماتقطعه من جسدك  ناحية قلبك لتكتب عن المساحة كتقدير حقيقي للألم وعن البيت الذي يزدحم بك فتزدحم بكل الأشياء المصابة بالشلل:
الكرسي والورقة و الشارع والحديقة
والغرابة وانت تبتعد عن بيتك القديم لتكتب في بيت جديد ذكرياتك العجوزة  عن ذات  البيت.
كأي غريبة لا أعرف كيف أختصر المسافة بين الحقيقة والخيال  سأقول:
23.28 بتوقيت صلالة (عُمان)
20.28 بتوقيت تونس
أنا الفارق الوحيد في التوقيت.
ساعة الوصول ولحظة المغيب.

3 ساعات بتوقيت الرحيل هُن ما يقع داخلي .. داخل هذا النص .

2-    في بلاد البخور:
صلالة المدينة  الآن،
تنخفض الاصوات وتعلو روائح البخور. مدينة لا اعرف كيف أبدؤها لكني أشتمها...
يبدأ تشكيل المكان بصريا  كلوحة خالية من الإبتذال مساحات شاسعة وأصوات بكماء
هنا قد أصف الصمت الذي كتبت عنه مطولا في القصائد
هدوء لا يسبق العواصف  لكنه يملأ الفناجين.
حين سيتقبلك  الأهل  بكؤوس الشاي والحليب.. لا حاجة إذا  للإتيكيت
 متعة الحياة تبدأ ايضا من قدرتك على المشي والصراخ كتابة، فلا صوت هنا للضجيج..كاتم صوت.. وتتداخل الصور
أصوات داخل الصمت وإبتسامات.. كأنك آخر الغرباء....
محملة بشجني تركت تونس لا بعيدة ولا قريبة  مسافة الوصول هي لحظة كتابة هذا النص.  
لم أكن في الحقيقة محتاجة لغرفتي الصغيرة ببيتنا العتيق لأصف الخلوة والعزلة والبيت
بيت صغير  آخر بزاوية تطل على المدينة والحضارة التى  ترفع برقعها في حياء تغمس يديها في طبق الأكل.. بلا خجل ولا إتيكيت.. هنا المدينة التي مازالت تخجل فلا معنى للحضارة.
كل شي يقودك للبساطة والحياء.

لوحة أخرى ترتفع قامتها في وجهي
في بلد يضاء بلونين فقط يلتحف الأسود  بالليل والأبيض الناصع يشتبك بالفراغ
قيمة الضوء تسطح وتختفي الألوان.
لم أكن أعتقد أن الملابس التي تتشابه قد تغني عن المتعة في الاختلاف.
نحن نتطابق مع الألوان أشكالنا ستظل في النهاية مسودات حقيقية لصورنا المسجونة في الخيال..
كل سينتمتر من القماش هنا يلف برحمة جسدك.. ثياب موحدة للنساء حين يطللن بنفس القماشة يتحركن داخل نفس الفراغ لن يكترث قارئ المشهد بشكل الغلاف سيطيل النظر للأشكال المعادة داخل القماشة النسوية السوداء وسيعرف في النهاية أن هذا البلد للسمع والشم وغض البصر.
في الأثناء تتحرك أجساد الرجال داخل القماش الأبيض مساحات بيضاء ناصعة لا مكان لخطأ في اللون
لك الله يا غريب.....

3-    بنفس المتعة سأكتب عن بلد جديد أعيشه لأن المساحة البيضاء هي بيتي الوحيد.. الورقة ويوميات الغريبة في بلاد البخور كتابة للشم.
ففي لحظات ما يصبح الانفراد عن العالم طريقة جديدة للاقتراب المثير من نفسك.
العزلة بتعريفها الساذج ليست هروبا أو محنة أو قلقا.
العزلة اقتراب مبالغ فيه من أشد الأماكن ضآلة تلك المناطق الذي يجعلها كاتب ما بفضل ما يكتبه أماكن شبيهة بالضوء.
حين يصبح الصوت خطا من خطوط الكتابة يشتغل الصمت على الأماكن الأشد رفعة في اللغة  فقط صعودا لامعا إلى فوق. كاتم صوت. الكتابة هنا كلامي الوحيد.

صلالة الآن بتوقيت الغريب
قماشة بيضاء للكتابة وحبر أسود للتنقيط.. ألا أنتمي أيضا بملابسي لهذا البلد الجديد!!!!

تونس هناك
صلالة هنا
كنت أيضا اليوم رابط حب وقرابة...

 

تعليق عبر الفيس بوك