في يناير تولد الأحلام

 

مدرين المكتومية

مع مطلع كل عام تتولد الأحلام بين صرعات الألم وبقايا الحزن، أحلام ما تلبث أن تموت إلا فننسج من موتها أحلاماً أخرى نحاول أن نجعلها تعيش على ما تبقى لنا من أعوام قادمة، تلك الأحلام التي تسكننا وتستقر في دواخلنا هي الأمنيات التي علقناها بين الحين والآخر على أبواب مشاعرنا وتلابيب الذاكرة، تلك الأحلام التي تسكننا وتسكن ما آلمنا في ثنايا الساعات الراحلة والأيام التي لن تبقى سوى ذكريات نفتح لها شبابيك الحاجة متى ما شعرنا أنَّ العودة للوراء تعطينا أملا آخر بأنّ القادم حتما سيكون أجمل رغم العواصف المُدمرة والأقدار غير المُتوقعة.

وفي كل عام كنت ياحبيبي ترحل في دمي تمتزج وتندمج في داخلي، تسكنني رغم مُحاولاتي الفاشلة برفضك، كنت تغوص بعمق لتحفر لنفسك قبرا رائعا وجميلا، مكان لتخلد فيه للأبد ويصعب على غيرك أن يختار تلك المقبرة لأنها لك وحدك ولا يصلح لشخص حي أن يسرق أماكن الموتى، فكل ما يملكون تلك المساحة الضيقة التي جاهدوا كي تكون لهم ولا تصلح لغيرهم، هكذا هي الأمنيات تماماً كما الناس، نخلدها ونعيش لحظات ولادتها الأولى ولكننا أيضًا مع بداية كل عام ننفض الغبار عنها لنرى كم منها تحقق وكم منها دفن وكم منها سيُلازمنا حتى آخر لحظات العمر، وكم منها سنشهد لحظات تكفينه.

الأحلام هذه الأعوام الراحلة كما الناس تمامًا، تأتي لتأخذ منا أجمل ما يكون، تنمو معنا لنكبر بها، ونشعر أننا تجاوزنا مراحل دون أن نشعر بها فنجدنا في المنتصف نود العودة قليلا أو على الأقل التسمر في المكان نفسه دون حراك، فجأة نشعر أننا نعيش على حافة الخوف من التقدم بالزمن، الخوف من المُستقبل الذي لا نعلم ما الذي يخفيه في جوفه، الحياة القادمة التي لا نعلم ما الذي ستحمله لنا على حوافها من هموم ولحظات جميلة، ومن سنرحل به معنا ومن سنتركه خلفنا، ففي كل عام ننضج مائة عام ونصبح بنضجنا أكثر حذر وتيقن فيمن سيكمل معنا وفيمن ستتلقفه الذكريات منِّا.

إنَّ السنوات هي سباقات العمر، منذ الولادة الأولى والخروج للنور ونحن في سباق مع الزمن والوقت، نلاحقها ونتزاحم لبلوغ آخرها وكأننا في سباق طويل ينتهي في ديسمبر ليبدأ من جديد في أول يوم من صباح يناير، شهر البدايات، الحياة المتلاحقة، شهر الأمنيات المستعجلة، الشهر الذي ينتظره الكثيرون بفارغ الصبر ليضعوا أزهارا على قبور الأمنيات التي انتهت ولم تلحق بهم في عامهم الجديد، وليعلقوا على أبواب ونوافذ الحياة التي تنتظرهم جملة من الأماني الجديدة التي يُمكن تسميتها خارج الزمان والمكان هي أماني المصادفات واللقاءات العابرة والباقية رغم الانهزامات المتتالية، ولأنني أجد في الأماني والأحلام حياة أخرى فما أجمل أن تكون سنواتنا عبارة عن حيوات متباينة ولحظات رائعة وفارقة بالنسبة إلينا، ولابد أن نسطر في نهاياتها بدايات تصلح لأن تكون العمر الجديد والميلاد الرائع لما سنعيشه في قادم الوقت.