لا تيأس

حميد السالمي

يقول عن نفسه: عند استيقاظي لصلاة الفجر وقبل أن أشرع في الوضوء رأيت عينيَّ تحدقان بي من خلال المرآة، ملامح الوجه تغيرت قليلاً عما كانت عليه، وبدا لي أنَّ الشعر تساقط كثيرا وأصبحت أصلعا، واكتسى بعضه بالشيب وقارًا، وتلك اللحية ازدادت وفرةً ومهابة، فتأملت حياتي وأنا على مشارف العقد الثالث من عمري، بلا وظيفة ولا زوجة ولا مال أو عيال، تغيرت ملامح الظاهر بيد أن الباطن لم يتغير، ذات الإرادة والطموح، ذات الأهداف والغايات، وتلك الرسالة هي كما أردتها ماضٍ نحو تحقيقها، وجدتني أحمل بين كوامن ذاتي شعلةً لا تنطفئ وصلابة ورسوخا رغم تقادم الأيام وتوالي الأزمنة وعدم تحقيق ما أصبو إليه، فوجدتني راضيًا بقضاء الله مطمئن البال مُوقنًا بوعد وعدل السماء: (إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا)، عدت بعدها لوضوئي وتوجهت للصلاة منشرح الصدر.

خُلق الإنسان بمشاعر وأحاسيس فلا ضير أن تمر عليه حالات الضيق والهم والاكتئاب مرورا عابرا، ولا ضير أن يشعر بالانكسار والضعف، فقدراته وطاقاته لا يُمكن أن تتعدى حاجز بشريته وإنسانيته، بيد أنَّ اليأس بمثابة القشة التي تقصم ظهر البعير، فبقاء الأمل يعني بقاء الطموح وبقاء الطموح يعني أن الخطى ما زالت مستمرة وتحقيق الغاية لا ريب حاصل، فمسؤوليتنا تجاه أنفسنا هي إعادة الروح وبث الهمة والعزيمة إلى الجسد كلما خالج النفس ضعف أو انكسار أو فتور.

أحد الأصدقاء يعشق الهندسة الصوتية ويقضي جل وقته في العبث ببرامجها في الحاسوب مجريًا عليها تجاربه واختباراته حتى احترفها، وظل على هذا الحال بلا شهادة جامعية ولا وظيفة، تخلل تلك المدة ضغط متواصل من أهله ومعارفه لترك هوايته والتوجه نحو عمل يُكسبه قوت يومه ويؤسس من خلاله حياته، غير أنه آمن برسالته وهدفه وتشبث بأحلامه وهو يرى نفسه مهندساً محترفاً في مجاله، وبعد مضي ما يربو على عشر سنوات سنحت له الفرصة لوظيفة في مجال الهندسة الصوتية نافسه فيها أصحاب الشهادات الأكاديمية بيد أنَّه حسمها لصالحه وحقق مراده.

بقدر صبرك يكون إنجازك، وبقدر إيمانك وثقتك بنفسك يكون عطاؤك، كن ملهمًا لذاتك ولا تنتظر من الآخرين معروفًا، فالسماء لن تمطر لك ذهباً وأنت لا تبرح مكانك، ومن سنن الحياة أنك ترتفع فيها كلما اتسعت دائرة مهاراتك وقدراتك وإمكاناتك، فليس من الصواب الركود لدواعٍ وأسبابٍ خارجية كظروف الأسرة أو المُجتمع أو سياسة الدولة وما شابه فالأيام دول وعجلة الحياة تدور ومتغيراتها مستمرة فعلام أنت لا تتغير رغم أنك جزء منها.

بعد أكثر من أربع عقود استطاع "الإمام السالمي" تحقيق أهدافه الثلاثة، ولمدة مشابهة احتاج بيل غيتس لتحقيق حلمه في مجال الحاسوب ليأخذه ذلك الحلم نحو الثروة والإنتاج والإنجاز، وخاض "أديسون" أكثر من ٩٠٠ تجربة حتى نجح في اختراع المصباح الكهربائي الذي أنار به العالم، ومكث "مانديلا" ٢٧ عامًا في السجن مناضلاً مكافحاً من أجل غاية وهدف ما لبث أن حققه مغيرًا مفاهيم كثيرة في الفكر الإنساني تجاه العنصرية حتى خلده التاريخ، فاسأل نفسك أنت كم مر عليك حتى حققت أهدافك؟ وهل ما زلت حالماً أم أن اليأس تغلغل في حياتك؟

إلى من يهمه الأمر: يقول حسن البنا: "لا تيأسوا فليس اليأس من أخلاق المسلمين، وحقائق اليوم أحلام الأمس، وأحلام اليوم حقائق الغد".

 

تعليق عبر الفيس بوك