عبيدلي العبيدلي
تصدرت الولايات المتحدة والكيان الصهيوني مجموعة الدول التي لم يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة التي صوتت ضد اتفاق الجمعية العامة للأمم المتحدة الهادف "إلى تعزيز التعاون العالمي لمواجهة المعدلات المتزايدة للهجرة". وادعت "إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن النهج العالمي للتعامل مع القضية لا يتوافق مع السيادة الأمريكية وأن واشنطن لم تشارك في مفاوضات بشأن اتفاق الهجرة". جاء هذا الموقف الأمريكي المغرق في سلبيته تجاه المهاجرين، رغم الكثير من الظواهر الإيجابية التي يحملها مع هؤلاء المهاجرين إلى الدول التي يقصدونها، وفي مقدمتها الولايات المتحدة.
واليوم الدولي للمهاجرين هو "يوم دولي أعلنته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 4 ديسمبر2000، على أن يكون يوم 18 ديسمبر من كل عام يوما دوليا للمهاجرين". وتحول هذا اليوم إلى مناسبة تقف فيها الدول التي تصدر المهاجرين إلى بلدان المهجر، كي تشخص المشكلات التي يواجهونها، وتحاول البحث عن مخارج، قابلة للتنفيذ، تجعل من تلك الهجرة ظاهرة مربحة للطرفين: المهاجر والبلد المستقبل.
وقبل الدخول في الأوضاع المزرية التي يعيشها المهاجرون اليوم جراء النظرة العنصرية المتعالية التي تسيطر على سلوك نسبة عالية من سكان البلد المستقبل، ينبغي العودة قليلا للوراء للتأكيد على أن الهجرة في أصولها ظاهرة بشرية قديمة تنوعت أسبابها وتعددت، استجابة للتطورات التي عرفتها البشرية على مر العصور. وهي في جوهرها تحمل بعض عوامل التضاد مع الطبيعة البشرية التي اقتضت "منذ بدء الخليقة أن يستقر الإنسان مع مجموعة من بني جنسه في منطقة معينة من الأرض تتناسب مع إمكاناته وقدراته، ليتحول هذا التجمع البسيط مع مرور الأيام إلى مكون اجتماعي يمثل الوطن الأم لكل إنسان، يتواصل فيه مع الآخرين، وينصهر في بوتقة تكوينه الديني والثقافي والفكري، وكنتيجة طبيعية لذلك يتفاعل هذا المورد البشري مع الموارد الطبيعية المُحيطة به والمتمثلة في الأرض والنبات والمعادن ليستغلها ويقوم باستثمارها وتعميرها". ومن ثم يمكن النظر إلى الهجرة، على أنها سلوك طارئ لا يتوافق مع السلوك الإنساني الباحث دومًا عن الاستقرار المصحوب بالأمان.
وفي البداية كانت النسبة العالية من الأسباب الكامنة وراء اضطرار هجرة الإنسان طبيعية مصدرها الكوارث الطبيعية، لكن مع تطور المجتمعات البشرية بدأت يد الإنسان ذاته تقف وراء الأسباب الرئيسة التي تدفع الملايين من الناس، قسرا، إلى ترك تجمعاتهم المدنية إلى أشادوها والهجرة إلى أخرى، بحثاً عن السلام الذي دمرته الحروب التي شنها الإنسان ضد أخيه الإنسان، أو سعيا وراء لقمة العيش، بفضل جشع البشرية ذاتها. وقد أدى ذلك إلى إرغام مئات الملايين، وليس الأعداد القليلة من السكان المستقرين إلى الهجرة.
فوفقًا لتقارير صدرت مؤخرا عن الأمم المتحدة بلغ "عدد المهاجرين في العالم 258 مليون مهاجر اضطروا لترك أوطانهم والهجرة إلى بلدان أخرى بحثاً عن حياة أفضل... وبحسب المعلومات من مركز تحليل البيانات العالمية حول الهجرة لدى منظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة، فإنَّ عدد المهاجرين حول العالم زاد بنسبة 49% خلال الفترة بين عامي 2000 – 2017....ووفقاً لهذا، فإن عدد المهاجرين كان 173 مليون مهاجر في عام 2000، وارتفع في عام 2005 إلى 191 مليون شخص، وإلى 222 مليون مهاجر بحلول عام 2015، فيما وصلت أعدادهم إلى 258 مليون مهاجر خلال العام 2017.... وفي الوقت الذي كان فيه المهاجرون يشكلون 2.9% من سكان العالم في العام 1990، فإنَّ هذه النسبة ارتفعت إلى 3.3% في العام 2015؛ ما يعني أن واحداً من بين كل 30 شخصاً حول العالم مهاجر إذا ما تمت مقارنتها بعدد سكان العالم البالغ 7.3 مليار نسمة".
وبخلاف النظرة السلبية السائدة في أوساط سكان الدولة المستقبلة للمهاجرين، والتي تعتبرهم مولدي الأسباب المباشرة وراء ارتفاع معدلات البطالة، ونشر العمليات الإرهابية، هناك العديد من التقارير الرصينة الصادرة عن مؤسسات مرموقة تتحدث عن الجوانب الإيجابية التي ترافق قدوم المهاجرين. وقد ناشد تقرير صادر عن وكالة الأمم المتحدة للهجرة لعام 2018 تغيير تلك النظرة من طابعها السوداوي الرافض لاستقبال المهاجرين، إلى النقيض الإيجابي المرحب بهم، من خلال إشادته "بما حققه بعض المهاجرين من إنجازات اقتصادية واجتماعية، (مطالبًا) قيادات الدول والشعوب بضرورة التخلي عن النظرة السلبية تجاه المهاجرين، ودمجهم اقتصاديًا واجتماعياً في بلادهم."
وجاء في إعلان صادر عن مؤتمرعقد مؤخرا في مدينة القاهرة، أنه "ليس فقط الحائزين على جائزة نوبل في الولايات المتحدة من المهاجرين، بل إن هذا البلد هو أيضًا واحد من أربعة بلدان يتزايد فيها عدد المهاجرين ذوي المهارات العالية في العالم". كما ورد في دراسة صادرة مؤخرًا عن البنك الدولي حملت "عنوان (التدفقات العالمية للمواهب) إلى أن حوالي 28 مليون مهاجر من أصحاب المهارات العالية يقيمون في بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في العام 2010، أي بزيادة قدرها حوالي 130% منذ العام 1990. وهناك أربعة بلدان فقط منها هي وجهة ما يقرب من 70% من هؤلاء المهاجرين".
وتجدر الإشارة هنا، ونحن في سياق الحديث عن الجوانب الإيجابية التي يحققها البلد المستقبل، إلى الدور الملموس الذي تمارسه المرأة المهاجرة في تنمية مستوى أداء المهارات العالية في البلد الذي تهاجر إليه. فقد أشادت تلك الدراسة بالدور "الملحوظ وغير المسبوق في هذا الارتفاع في هجرة أصحاب المهارات العالية، مشيرًا إلى عدد المهاجرات اللاتي يتمتعن بمهارات عالية في بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ارتفع بنسبة 152% بين عامي 1990 و2010، من 5.7 مليون إلى 14.4 مليون. وفي عام 2010، فاق عدد المهاجرات ذوات المهارات العالية أقرانهن من الذكور". كل ذلك يفرض على من يتناول موضوعي الهجرة أن يزيل من خلفيته كل ما يتحكم فيها من نظرة سلبية تجاه الهجرة، ويستبدلها بأخرى إيحابية ففي رحم هذا التحول تكمن فرصة تحويل الهجرة من عنصر يؤجج الصراع، ويزرع الضغينة إلى آخر مغاير تمامًا، يبني العلاقات الإيجابية بين الشعوب، ويقوي أواصرها.