حمود بن علي الطوقي

لم يكن نبأ رحيل الطفلة ميسون الرواحية آخر فصول الرواية التي كتبت بأقلام وردية ورسمت بفرشاة ملطخة بأصباغ وألوان زاهية، لا شك أنَّ هناك فصولا من الرواية لم تبن وستظل ميسون هي البطلة المؤثرة في كل فصول الرواية، وستنتصر في نهاية المطاف لتبقى أثرا ونقطة ارتكاز، تلوح بكفها الهزيل والنحيل لتغرس الأمل وتفرش البساط الأخضر لتنثر وصايا العمل.

نعم هذه هي بطلتنا ميسون التي رحلت عنَّا باكرا وتركت المئات من حولها يطوفون في مسارات وفضاءات الإبداع يسجلون بأناملهم كلمات تتساقط بردًا وسلامًا على جسدها النحيل.

نعم هذه هي الطفلة العبقرية الملهمة ميسون التي أشعلت بنبأ رحيلها شبكات ومنصات التواصل وتبارز المغردون والمغردات والمبدعون والمبدعات بمطارحات نثرية وشعرية تحمل عبارات من فيض نابعة عن صدق وعمق المشاعر والأحاسيس.

نعم هذه هي الطفلة ميسون التي حملت في قلبها الصغير محبة الملايين من البشر وملايين الأطفال ممن هم في سنها ومن سيولدون بعدها، وسيقرأون فصول من روايتها الخالدة التي ستحكى كقصص ينتصر فيها الخير دائمًا مهما طالت أو قصرت فصول الحكاية.

نعم هذه هي الطفلة ميسون التي أجبرت كل الأمكنة وكل أجنحة ملائكة الرحمة على أن تندب وتبكي وتتساكب دموع الألم على كافة الزوايا وأركان المكان حتى وصلت لتلك الطيور التي تنقر في نافذة غرفتها الصغيرة وتنشد ألحاناً حزينة برئية، وكأن الحال يقول: ما زلت ميسون نجمة لامعة في دروس العبر وحكايات الصبر.

نعم هذه هي ميسون التي وزعت ابتساماتها البريئة والصادقة على الجميع رغم قساوة الألم الذي ينهش جسدها الهزيل.

كانت تتألم ليلاً وتتذكر في ألمها أبيات أبو الطيب المتنبي الشهيرة:

وزائرتي كأنَّ بها حياء

 فليس تزور إلا في الظلام

فرشت لها المطارف والحشايا

فعافتها وباتت في عظامي

يضيق الجلد عن نفسي وعنها

فتوسعه بأنواع السقام

كأن الصبح يطردها فتجري

مدامعها بأربعة سجام

أراقب وقتها من غير شوق

مراقبة المشوق المستهام

ويصدق وعدها والصدق شر

إذا القاك في الكرب العظام

وما أن تشرق شمس يوم جديد إلا وتتسابق ابتساماتها موزعة بين الطبيب والمريض والزائر والقريب .

وصدق الأديب الشيخ حمود بن سالم السيابي في مقاله الرثائي عندما قال: "إن ميسون إيجابية حتى في الغياب، ومسكونة بفك الاشتباكات حتى بعد إسدال ستارة النهايات. من قال إن ميسون ماتت؟ لقد بدأت البُنيَّة عطلة نصف السنة وإن تحشرجت الأجراس. وإن أجهشت "المِسْ" بالبكاء وهي ترى كرسي ميسون بلون الغياب.

رحمك الله يا ابنة عمان ونسأل الله جلت قدرته أن يسكنك فسيح جناته ويلهم ذويك الصبر والسلوان.

إنِّا لله وإنِّا إليه راجعون.