موظفو الخدمة المدنية.. الحلقة الأضعف

 

مسعود الحمداني

على طول شاطئ الغبرة تصطف مجموعة من الأندية التي تعود ملكيتها لمؤسسات حكومية عدة، كل جهاز أو وزارة مستقلة إداريًا ومالياً تمتلك موقعاً هناك لأفرادها، يقضون فيه أوقاتهم، ويستمتعون فيه بمُناسباتهم الخاصة وفق نظام معين، وأحيانا دون نظام، وهذا جزء من اهتمام هذه المؤسسات بموظفيها ـ اللهم لا حسد ـ، غير أنَّ جهة حكومية وحيدة يبدو أنها مهمّشة وغير مهمة بالنسبة للبعض، أو أنَّها هي ذاتها غير مهتمة بموظفيها، رغم أنَّ عدد منتسبيها هو الأكبر عددا وعدة، والأكثر بذلا وعطاء، ولكنهم الأقل حظاً بين قرنائهم، وهم المغلوب على أمرهم، الراجون رحمة ربهم الذين يُطلق عليهم اصطلاحاً في القانون (موظفو الخدمة المدنية).

فهذه الفئة من الموظفين لم تشفع لهم كثرتهم، ولا أعباؤهم الوظيفية، ولا مطالباتهم، ولا جور الأزمة المالية عليهم، ولا تأخر ترقياتهم، ليحظوا بمبنى ترفيهي واجتماعي ـ أسوة بزملائهم ـ يقضون فيه وقتهم، ويُرفّهون فيه عن أنفسهم وعوائلهم، ويتبادلون فيه يومياتهم، وحكاياتهم، ويسمرون فيه، ويُقيمون مناسباتهم المختلفة في أرجائه، رغم أنَّهم فئة تُقاتل في سبيل العيش، والحياة، والوطن، كغيرهم، ولكن كما يقال "إن من لا ظهر له.. لا قيمة له".

إنَّ منتسبي الجهاز الإداري والمالي والأمني والعسكري في الدولة يقومون بواجباتهم كلٌ في مساره، وهم يستحقون الأفضل دائمًا، ولكن لماذا يدفع موظفو الخدمة المدنية وحدهم ضريبة كل شيء.. وفي نفس الوقت يفتقرون للامتيازات التي تتوفر لغيرهم في الجهات المُستقلة؟! ففي بعض المؤسسات الحكومية هناك نظام للقروض السكنية خاص بموظفيها، كما يستلم موظفو بعض الجهات (المستقلة) مبلغاً محترماً من المال حسب نظام معيّن. كما يُمنح موظفو جهات معينة أرضًا حكومية تجارية وأخرى سكنية في مرحلة من أدائهم الوظيفي، هذا إلى جانب امتيازات أخرى (خاصة) أخرى يحصل عليها موظفو بعض الجهات أيام الأعياد والمناسبات، إلا أن هذه الامتيازات "الاستثنائية" لا يحصل عليها موظفو الخدمة المدنية بشكل عام، وهو أمر لا تفسير له، فالموظفون- كما المواطنين- لهم نفس الحقوق، وعليهم نفس الواجبات، غير أنَّ القوانين التي سُنّت و"فُصّلت" لموظفي جهات غير تابعة للخدمة المدنية استأثرت بكل الامتيازات، بينما ظل موظفو الخدمة المدنية يتفرجون من خارج الملعب، ينتظرون ما تجود به عليهم الحكومة من ترقيات- وحتى هذا "الحق" الأصيل لهم حُرموا منه- منذ سنوات بعيدة. ولا ننسى في هذا الخضم الضخم من المُعاناة، حال (متقاعدي الخدمة المدنية) الذين توقفت بهم قطارات الحياة عند حد معين من الرواتب التقاعدية حتى بات بعضهم في حكم "فئات الضمان الاجتماعي"، وهذه الفئة عصف بكثير منهم عاصفات الزمن، وتكالب عليهم قانون التقاعد، فصاروا بين رحمة السماء، ورجاء أهل الأرض.

يبدو أنَّ موضوع "نادي موظفي الخدمة المدنية" لن يحل أزمة مالية، ولن يحقق ترقيات، ولن يلبي مطالب المتقاعدين، ولكنه قد يكون خبراً مفرحًا للكثيرين منهم- لو تحقق-، فهو على الأقل سيترك أثرا إيجابياً في نفوسهم، وسيشعرون أن هناك من يتبنّى قضاياهم، ويتعاطف معهم في أروقة الحكومة، وسيكونون من الشاكرين، وهم يرون أنّه أصبح لهم "كيان" اجتماعي وترفيهي يلجأون إليه حين تضيق بهم الأماكن، وتتراكم عليهم الهموم، وتزدحم على رؤوسهم الطير.