- آليات إعداد واحتساب الإيرادات تُحدد معدلات الإنفاق
- عوائد استثمار الحكومة في "تنمية نفط عمان" تمثل 93.5% من إجمالي الإيرادات
- التحوط لسعر نفط عُمان قد يأخذه إلى ما دون 60 دولارا
الرؤية - نجلاء عبدالعال
أيام وينتهي عام 2018 ويبدأ العام الجديد بميزانية جديدة، لتحقيق أهداف ومشروعات تنموية مُخطط لها، وقد تزايد اهتمام مختلف فئات المجتمع بالموازنة العامة للدولة خلال السنوات القليلة الماضية خاصة مع تراجع أسعار النفط وتأثيرات ذلك على الإيرادات العامة والإنفاق الحكومي. ولأنَّ الموازنة العامة للدولة وفق التشريعات تستهدف كل مواطن فمن حق الجميع مُتابعة تفاصيلها، ولتحقيق ذلك لابد من التعريف بعدة مفاتيح تسهل هذه المتابعة وتوفر طريقة صحيحة لقراءة الموازنة، خاصة ما يتعلق منها بالإيرادات النفطية من النفط والغاز، وسعر النفط الذي يحظى مؤخرا بمتابعة دقيقة لأسعاره.
وقد باتت أسعار تداولات نفط عمان اليومية محط اهتمام الجميع، رغم أنَّ السعر المعتد به في السلطنة هو متوسط سعر البرميل على مدار الشهر بالكامل وليس السعر اليومي. ولعل هذه المعلومة أول مفاتيح فهم الميزانية العامة للدولة فيما يخص أساس مهم من أسس توقع الإيرادات التي سيجري تحصيلها خلال العام المُقبل، فالإيرادات النفطية التي تبنى عليها الموازنة لا يجري تحديدها من قبل السلطنة وما تقوم به الأبحاث والدراسات لإعداد تقديرات الميزانية تبنى وفق توقعات العرض والطلب على النفط عالمياً وهي توقعات ترتبط بكثير من العوامل، سواء سياسية أو اقتصادية أو حتى مناخية وغيرها.
والسعر التقديري لبرميل النفط أو بالأحرى النفط والمكثفات النفطية والذي يطلق عليه مزيج خام نفط عمان يكون لمتوسط سعر تداول هذا الخام عبر بورصة دبي للطاقة التي أسستها الحكومة العمانية في البداية لتداول نفط عُمان عبرها، ويجري تداول عروض شراء وبيع النفط عبر هذه البورصة على أن يكون التسليم بعد شهرين، وخلال 5 دقائق فقط في اليوم وعلى مدار 5 أيام في الأسبوع من الإثنين إلى الجمعة يجري التداول، وفي نهاية كل شهر يجري حساب متوسط سعر البرميل في التسليم عبر حساب السعر اليومي مع عدد أيام التداول أخذا في الاعتبار الكميات وغيرها.
وبحساب متوسط أسعار التسليم الشهرية على مدار 12 شهرا يجري تحديد متوسط سعر البرميل في الميزانية عن عام مضى أو تقدير سعر البرميل في الموازنة لعام قادم، ونظرا لأنَّ تحديد سعر التسليم يجري قبل شهرين من التسليم فإنَّ متوسط سعر برميل النفط خلال عام يمكن حسابه في نهاية أكتوبر من كل عام لأن تداولات أكتوبر يجري الأخذ بسعر النفط فيها لتسليم شهر ديسمبر، ووفقًا لمتوسطات الأسعار الشهرية لنفط عمان فإنَّ المتوسط الحقيقي لسعر الخام في 2018 زاد عن السعر التقديري وبالتالي ينعكس ذلك على حجم العجز بين الإيرادات والإنفاق، ومع ذلك فإنَّ المتبع في التخطيط للموازنات المالية أن يؤخذ بالتحوط لذلك فمن المنتظر أن يكون السعر التقديري لمتوسط برميل نفط عُمان في 2019 أقل من 60 دولارًا والذي يتداول حوله البرميل مؤخرًا.
ورغم الإجماع على أهمية تنويع مصادر الدخل العام إلا أن الواقع يكشف أن الإيرادات النفطية ما زالت تمثل العمود الفقري للميزانية حتى مع تراجع أسعار النفط إلا أنَّ هذه الإيرادات ظلت الأعلى بين جميع الموارد الأخرى. وفي سنوات سابقة كانت كميات النفط المنتجة تخضع لدراسات تقديرية، لكن بعد تخطي إنتاج السلطنة النفطي للمليون برميل يومياً وبعد التزام السلطنة بخفض الإنتاج ضمن اتفاقية الدول المنتجة من أوبك وخارجها، فقد أصبحت كميات النفط المنتجة شبه نهائية، ووفقًا للوضع الحالي فإن إنتاج السلطنة اليومي من النفط سيكون بمعدل 975 ألف برميل يوميًا خلال العام المقبل أيضًا كما كان خلال العام الحالي.
لكن هل من الصحيح أنه يمكننا توقع الإيرادات النفطية عبر حساب سعر البرميل مع كمية البراميل المنتجة؟ هذا خطأ كبير؛ فالإيرادات النفطية ووفقاً لما توضحه وزارة المالية تأتي من حصتها في شركة تنمية نفط عمان، والتي تعد أكبر شركات النفط في السلطنة، إضافة إلى مجموعة أخرى من الشركات، ويجري احتساب صافي الإيرادات النفطية عن طريق قيمة مبيعات النفط الخام والمكثفات النفطية التي يجري إنتاجها في السلطنة من قبل الشركات النفطية، بعد استبعاد قيمة تكاليف الإنتاج والأتعاب التي تحصل عليها الشركات بموجب اتفاقيات تقاسم الإنتاج الموقعة بين الشركات وحكومة السلطنة، مخصوما منه التحويل إلى صندوق الاحتياطي النفطي.
وتوضح وزارة المالية أن ما تملكه الحكومة من النفط بشكل مباشر هو حصتها في شركة تنمية نفط عمان وهي الأكبر إنتاجا في السلطنة، وتمتلك الحكومة نسبة 60% من رأسمال الشركة ويمتلك الشركاء الأجانب - شل وآخرون- النسبة المتبقية البالغة 40%، كما تمتلك الحكومة نسبة 100% من المكثفات النفطية التي تنتج من حقول الغاز في وسط عُمان، وتأتي هذه المكثفات النفطية التي تدخل في تركيبة خام نفط عمان المباع مصاحبة للغاز ويشبه تكوينها النفط فيتم ضخها عبر خطوط أنابيب النفط الخام، وتحصل الحكومة على حصتها من إنتاج الشركة من النفط الخام بنسبة مساهمتها 60% إضافة إلى إنتاج المكثفات النفطية وتقوم ببيعها بمعرفتها ويتم توريد كامل الإيرادات للخزينة العامة للدولة.
ولا تحتسب إيرادات الحكومة كإيرادات صافية لأنها تخضع لعدد من الاستقطاعات تتضمن حصيلة بيع عدد من البراميل يومياً تودع في صندوق الاحتياطي النفطي، والذي أنشئ مع بداية 1996م، بهدف تقديم الضمانات اللازمة للقروض طويلة الأجل لتمويل الاستثمارات النفطية التي تتم عن طريق شركة النفط العمانية، وفي السابق كان لابد من تحويل حصيلة بيع 15 ألف برميل يومياً، لكن أصبح في المتوسط عند 10 آلاف برميل يوميًا، كما يجري استقطاع حصة الحكومة في التكاليف التي تنفقها الشركة لإنتاج النفط سواء المصروفات الجارية أو الرأسمالية.
وعلى الرغم من أنَّ للأجانب حصة تبلغ 40% من شركة تنمية نفط عمان، وكونهم يتولون تسويق حصتهم من الإنتاج النفطي بأنفسهم، إلا أنَّ ما يسمح للأجانب بالحصول عليه كعوائد على استثماراتهم يجري "طبقاً لمعادلة ثابتة متفق عليها وتعتمد على أسعار بيع النفط، حيث تبلغ 6.5% عندما يبلغ سعر البرميل 40 دولارا فما فوق ولا يزيد عن 8% عندما تنخفض الأسعار إلى 10 دولارات فما دون" وبعد حصولهم على هذه النسبة فإنَّ ما فوق ذلك من عوائد على الاستثمار تسترد الحكومة ما تبقى من صافي مبيعات الشركاء الأجانب كضرائب عليهم، وبناء على ذلك فإنّ "إجمالي ما تحصل عليه الحكومة يتراوح ما بين 92% و93.5% من إجمالي الإيرادات. ويحصل الشركاء الأجانب على الباقي ويتراوح بين 8% و6.5%".
ومع أن شركة تنمية نفط عمان هي الأكبر إنتاجا للنفط في السلطنة إلا أن هناك شركات أخرى تنتج مجتمعة نحو ثلث الإنتاج النفطي للسلطنة، وتأتي الإيرادات النفطية للحكومة من هذه الشركات عبر اتفاقيات تقاسم حصص إنتاج النفط الخام والمكثفات النفطية بين الحكومة والشركات الأخرى وفقًا للحصص المنصوص عليها في الاتفاقيات النفطية الموقعة مع تلك الشركات كل على حدة والتي تعرف باتفاقيات امتياز الإنتاج، وذلك بعد استرداد المصروفات التي تتحملها تلك الشركات وبعدها تقوم بتوريد العائد الصافي إلى الخزينة العامة للدولة. وبذلك يمكن قراءة أول بند في أول جداول الميزانية العامة للدولة وهو "صافي الإيرادات من النفط".
