جريمة الـ"فوروُرد"

 

مدرين المكتومية

في ظل التطور التكنولوجي الهائل والتسابق نحو نشر المعلومات والأخبار، يقوم الكثير من مستخدمي التكنولوجيا، وخاصة وسائل التواصل الاجتماعي، بإرسال مئات الرسائل والمواضيع المختلفة- والتي ربما لا جدوى للكثير منها- إلى قائمة الاتصال لديه، فقط بلمسة سريعة على أيقونة "فوروورد" أو إعادة إرسال، غير مكترث بمدى مصداقية ما ينقله للآخرين، أو حقيقة الأمر، بل ربما لن يعنيه إذا نهرته وأخبرته أن ما يرسله ليس سوى حزمة من الشائعات أو توافه الأمور.

فمع السرعة وتزاحم ما يُتداول، لم يعد حتى لدى البعض الوقت الكافي ليقرأ ما يصله قبل تمريره لغيره، ولم نعد نكلف أنفسنا حتى دقائق لفهم ما نرسله، ومدى صحة المحتوى، وللأسف الكثير منها لا تقدم أي شيء سوى التلاعب بعقول الناس ومن يعانون من إدمان السوشال ميديا.

بالتأكيد لا أعارض نشر المعرفة، لكن أيضًا يجب أن نقف جميعا وقفة جادة عند الكثير من الشائعات التي يتم تداولها عبر هذه المنصات الاجتماعية، خاصة وإن كانت تدفع بالشخص ليشعر أنه لم يعد يحيا يومه كما كان في السابق، وفي ظل كثرة التعرض لأخبار عن جرائم القتل والضرب والجرائم الأخلاقية. هناك بالفعل بعض البشر تناسوا بشريتهم فلجأوا للقتل وانتهاك الأعراض، لكنني أعتقد بقوة أن كل تلك الأخبار التي يتم تداولها فيما يخص الجرائم والحوادث البشعة وغيرها ليست جميعها محل ثقة أو يمكن نعتها بـ"الحقيقية"، ولا ينبغي مهما بلغت بشاعتها أن تدفع الكثيرين لإرسالها لعدد كبير من الأشخاص، لاسيما وأن الراسل وحتى المُستقبِل لا يملك رداً من قبل الجهات المعنية حول تلك الحوادث.

ولو وضعنا عدسة مكبرة على ما يدور في وسائل التواصل الاجتماعي نجد أنَّ الأخبار المزيفة- وأحيانًا المغرضة بقصد مع سبق الإصرار والترصد- لا تتعلق فقط بالقضايا الحياتية، مثل قضايا السرقة والسلب، لكن بدأ ينافسها شائعات وأخبار مغلوطة تتعلق أيضاً بقضايا التنمية، أو ما هو أخطر من ذلك؛ قضايا تتعلق بالأمن القومي، والذي ولله الحمد في أعلى مستوياته، وننعم جميعا برخاء واستقرار وأمان. فقد نقرأ كتابات شديدة السلبية تعليقاً على قرارات أو أمور، هي في الحقيقة تأتي ضمن خطط التطوير ومواجهة التحديات.

ولذلك أُثمن عاليا جهود شرطة عمان السلطانية في مواجهة الشائعات، وتوعية مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي بعواقب نشرها من الناحية القانونية، وهذا الشكر كلمة حق بفضل ما يمتكله هذا الجهاز الوطني من قدرات في الحد من الشائعات ونفي الأخبار غير الصحيحة. وعندما أتحدث عن قطاع الشرطة فإنني أشير إلى الجهود المبذولة في مختلف المواقع، بسرعة فائقة، والتواجد اللحظي عند وقوع أي مشكلة، ولو كان حادثا بسيطا في شارع جانبي. ليس هذا فقط، بل إنهم سواعد فتية مخلصة يتحملون أصعب الظروف لتأدية الواجب الوطني، مثل الأنواء المناخية.

ومن بين الجهات التي تبذل جهودا كبيرة من أجل تبصير الرأي العام بمختلف القضايا المعنية بها، وزارة النقل والاتصالات، حيث تحرص الوزارة على الرد على كل ما تنشره الصحف من مطالبات الأهالي بتنفيذ مشاريع معينة، أو غيرها من المطالب التي تعنى برصف الطرق أو تقوية شبكات الاتصالات، وذلك ملاحظ من الردود التي تصلنا سريعًا حول ما ينشر مع توضيح الأسباب وذكر الجهود التي تبذلها لتوظيف كل السبل من أجل تقديم الأفضل للوطن والمواطن. وكذلك الحال مع الهيئة العامة لحماية المستهلك والتي تقوم بدور فاعل في عملية التفتيش والكشف عن كل ما يسبب الضرر بالمواطن، إلى جانب مؤسسات مثل وزارة الصحة وبلدية مسقط ووزراة القوى العاملة وغيرها من الجهات الأخرى. وذكر هذه الجهات لا يعني أن هناك جهات أخرى لا تقوم بدور مُماثل، لكن هذه الجهات التي ذكرتها بالاسم تتواجد بقوة وبنشاط منقطع النظير، لا تخطئه عين، وبذلك يمكن البناء على تلك الجهود لتعم الفائدة على الجميع، ويتسابق الجميع لإيضاح الحقائق والرد على الرسائل والتساؤلات التي تدور في ذهن المواطن، وأيضاً التقليل من حجم الشائعات التي بدورها تؤثر بالسلب على الرأي العام.

إنني استحث هواة تحويل الرسائل "فوروُرد" وأقول لهم "كفى.. ثم كفى.. فاض الكيل"، كما أقدم الشكر للجهات والمؤسسات التي تتجاوب وبسرعة مع كل ما يُثار على وسائل التواصل الاجتماعي، أو تعقب على ما تتناوله الصحف اليومية من تحقيقات واستطلاعات رأي، لتوضيح الأمور وإظهار وجهة النظر الصحيحة.