الإعلان والدعاية والسفاهة .. أضداد

 

حمد بن سالم العلوي

لا أعرف إلى متى سيظل الذوق العام بلا ضوابط من قبل جهة مسؤولة، ولكن الذي أعرفه أنَّ هناك جهات موكل إليها فن التعقيد، وهي تجيده بمكر ودهاء، فعلى سبيل المثال إذا أردت أن تنشئ كتاباً عن سيرتك الذاتية، أو حتى تكتب عن ذكرياتك أو مجرد سيرتك الذاتية للتعريف بنفسك وأنت مدعو إلى إلقاء محاضرة في جهة ما، فإنَّ تلك الجهة ستظل تشوه ذلك الموضوع وتبتّره وتقطّعه حتى يتم إظهاره بعد ذلك بدون قيمة فنية، وكأن بهذا المُتسلط عليك بحكم الوظيفة الرسمية التي يسترزق منها، وليس بحكم الفهم والموضوعية، يريدك أن تخرج بشيء على مزاجه وفهمه هو، أو أنه يُريدك أن تخرج عملاً يُمثل كل النَّاس لا أنت وحدك.

ولكن تقتلك الحيرة والغرابة، والاستغراب من أفعال بائسة سيئة الإخراج، فهي تمثل حقاً العبارة التي تقول "حق أريد به باطل" وإلا كيف يؤتى لنا بصورة إعلانية تظهر كوب "آيس كريم" يلبس في أعلاه عمامة عُمانية، ويمنطق خصر الكوب بالخنجر العُمانية، والمشكلة أنه بين وقت وآخر يخرج علينا بقانون النشيد الوطني والعلم والشعار، فيظل الشخص يقلب بين ثنايا الموضوع لعله يجد جديداً، ولكن لا يجد ما يبحث عنه، ولم يعرف أن هذا النشر هو حيلة البعض للتذكير، بأن هناك قانوناً يمنع استخدام الشعار أو رموزه في الدعاية التجارية .. وكفى، لكن أين العقوبة والردع على من يفعل ذلك، أم الذي يشوه الملبس العُماني بوضعه على كوب آيس كريم، هذه المادة التي ضعف استهلاكها لأن الجو بارد، فيغري بها الناس عندما يحولها "شكلاً" إلى ماركة عُمانية، وهو يعرف تحيُّز الإنسان العُماني لكل شيء يمت بصلة إليه.

 ثم تأتي شركة أخرى بشخص وافد فيخرج لسانه بأسلوب ساخر، وتنشر الصورة على لوحات ضخمة في طول البلاد وعرضها، وعلى شاشات أجهزتها الإلكترونية، وذلك بقصد أنه عمل فني رهيب، كدعاية لشركة عُمانية كبيرة، طبعاً لا تُقدم مأكولات حتى نقول، إن الفكرة تتكلم عن إسالة اللعاب من حلاوة المذاق، ولكنها تقدم خدمة هاتفية، وبصفتي إنسان من زمن ما قبل الهاتف، لم أفهم مغزى هذا الإعلان، إلا إذا كان يقصد ذلك الوافد، أن الخدمة دون المستوى، فأخرج لسانه ساخراً من عدم تطابق الخدمة مع حاجة المتصل أو المُستخدم للإنتر نت، وقد سبق لهذه الشركة وشركة أخرى في نفس المضمار، أن أتيتا بصور لأشخاص عُمانيين الأول كان فاتحا يديه، وفاقعا صدره كأنَّه يقلد بطل فليم "تايتنك" أما الشركة الأخرى فكانت تصور شخصا عُمانيا، وكأن فمه فُتح عند طبيب أسنان، ورغم أن الصورتين استبدلتا الآن، ولكنني لم أستطيع فهم معناهما إلى اليوم، وقد لا يكون اللوم عليهم، ولكن اللوم على فهمي البطيء، لذلك أرجو من هاتين الشركتين، أن تضعا توضيحاً تحت كل صورة حتى يفهمها من كان مثلي، لأنها حقاً لا ينطبق عليها المثل الذي يقول "ربَّ صورة عن ألف كلمة".

ولأمر لا يتوقف هنا، وإنما هناك صور تنشر لبشر، قيل إنها دعاية لماركات عالمية، فقد مررت بصور لمخلوق "ذكر" وقد ملأ أذنيه ومناخيره وبراطمه بحلق ومخارز من حديد، ونقش على وجهه وجسمه صور لحيوانات وحيات، والذين نشروا هذه الصور لبهائم من البشر، يعلمون حب العرب للتقليد، ويعلمون الخواء الذي أصبح سائداً خاصة في بلاد المسلمين، الذين لم يتبق لهم من قيم الإسلام إلا الاسم للأسف الشديد، وأننا على استعداد للتطبيل لكل ناعق يمر بديارنا، وأن هناك أناسا قد ابتلوا بتحمل المسؤولية، فمنهم من لم يكتف بالصور، حتى صار يبحث عن كل "خلنج" وسافل فيدعوه ويقدم له الأموال، والترحاب للحضور إلى عُمان، وكأنَّهم يريدون تشويه النهضة العُمانية الحديثة، وتشويه صورة العُماني المعتز بوطنه وقيمه، فيسارعون مسابقة منهم إلى تسريع الهدم ليكون في منافسة مع البناء والتقدم الحضاري، ألا تبت يد كل مفسد مضلِّ.

ترى هل أصبح البعض يستعين بالآخرين من خارج الحدود، لرسم سياسة الهدم والضر، فما عُدتُ أستوعب الذي يحدث، فأمسى الأمر في وضع الهرج والمرج، فإذا الأمر كذلك فهذه تكون الطامة الكبرى، فما صرنا نأمن على طبع كتاب أو دفتر أو كراسة مدرسة، إلا ووجدنا الشيطان قد دسَّ ذنبه بين الثنايا، أين الغيرة والشهامة والنخوة العُمانية من بعض النَّاس، لقد علمنا أن هناك بضع نفر تم شراؤهم من قبل شياطين البشر، وأخذوا لهم مقرا ومكانا في الخارج حيث يصلهم الدرهم والريال، وأخذوا يبثون سمومهم من هناك، ففي الماضي كان قد استؤجر شخص ما من بلاد عربية، حتى يُمثل المعارضة العُمانية، ولكن سوء التربية في بلادنا تمخض عنه بعض النفوس السقيمة، فأخذت تنعق في الخارج بقدر الدفع، ولكنها لو عادت إلى عُمان، وحتماً ستعود يوماً ما، وسيكون مصيرها من مصير الخونة المفرج عنهم، يعيشون عيشة غير طبيعية، ينفر منهم النَّاس كما ينفر الصحيح من الأجرب، فعُمان لا تنزل إلى مستوى المرضى، وإنِّما تترفع عنهم، فلا تسعى إلى تهذيب المُخالفين لها، لا بمنشار ولا سجن بلا أبواب، ولا جزر في عرض المحيطات.

إنَّ الذي نطالب به هي المشاعر الوطنية، أن تكون في النفوس وتترجم إلى عمل، ولا نطالب برفع الشعارات الوطنية بلا إحساس بالمسؤولية، والذي نطالب به أيضاً ألا يُتمَّسك بالإنسان متى توقف عن الإبداع والعطاء للوطن، ونطالب بقانون حازم للمساءلة والعقاب للمقصرين، وليس بالضرورة أن كل مقصر فاسد، فقد يكون وطنياً من الدرجة الأولى، ولكنه أستنفذ ذخيرة العطاء، فآن له أن يستريح، ويفتح الباب لغيره لكي يقدم الأفضل، لأن عُمان تستحق الأفضل حتماً، وأتذكر حديثاً في قمة الروعة لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس المعظم - حفظه الله وأمد في عمره - لصحيفة أجنبية وأعاد التذكير به لصحيفة كويتية، حيث قال فيه ما معناه (أمنيتي أن أجد المسؤول الذي يعمل من تلقاء نفسه، بما يمليه عليه الواجب، وتحتمه عليه القوانين والأنظمة، دونما انتظار للتعليمات والتوجيهات منِّا) والحقيقة وبرغم كثرة المسؤولين في الدولة، فإنَّ القلة القليلة التي فهمت هذا التوجيه السلطاني، وعملت بموجبه وعرفت واجبها من تلقائها .. حفظ الله عُمان وسلطانها المعظم من كل سوء ومكروه.