محمد بن رضا اللواتي
ليس فحسب الانتباه، وأجزم بأنَّ القارئ سيوافقني كذلك، وإنما التطبيق!
أعني بها، نقطتين تحديدا، واللتان جاءتا في محاضرة ألقاها المكرم حاتم بن حمد الطائي عضو مجلس الدولة ورئيس تحرير جريدة الرؤية، حول الإعلام التنموي، باعتباره شريكا رئيسيًا في مسيرة النهضة المُباركة، الأولى تتعلق بدور الإعلام العُماني في تشكيل الرأي العام الوطني، والأخرى تتعلق بآليات مواجهة التزييف الأخباري.
فرغم أنَّ المحاضرة، والتي جاءت – كما تعودنا أن نسمعها من الطائي - بأسلوب ارتجالي وباللهجة الدارجة، حتى بدت وكأنها تخرج عفوياً وليس عن تحضير وتدقيق في كل شاردة وواردة فيها، أقول ورغم أنَّ المحاضرة برمتها تستحق أن تُعمل فيها أدوات التَّمعن وتقديم المستعجلة من أفكارها وتأخير العاجلة منها – قليلاً- إلا أنَّ هاتين النقطتين لهما علاقة وطيدة بتحديد موقعية المسؤول الحكومي من تطلعات الرأي العام العُماني – إعلاميًا - من جهة، ووضع حد لانتشار الأخبار المزيفة والسلبية كذلك، من جهة أخرى.
اقترح الطائي، ولأجل تقريب المسافات بين المسؤول الحكومي – ينبطق هذا الحل على المسؤول في القطاع الخاص كذلك إذ لسنا ببعيدي العهد بأحداث جلفار الإدارية – والمواطن، وفي سبيل بناء رأي عام متسلح بالمعرفة الحقيقية وليس بالتي تشبهها، ومنع نشوء الآراء السلبية القاتمة، أن يتم، اعتماد الشفافية في تناول الأحداث. يبرر الطائي ضرورة الالتزام بالشفافية – لستُ أدري ولماذا لا ينبغي ذلك - أن "الجميع شركاء في بناء الوطن وليس الحكومة وحدها فحسب"، وعليه فقد ألحَّ على هذه الشفافية أن تظهر في الإعلام، باعتباره اللاعب الرئيس والمؤثر والحساس في صناعة الرأي العام. تلك كانت النقطة الأولى.
أما الأخرى، والمتعلقة بآليات منع أو الحد من التزييف الأخباري، فمقترح الطائي هنا أمران، الأول منهما هو منح الجهات الحكومية للإعلام المحلي ما يحتاجه من معلومات صحيحة وحقائق فعلية، ذلك لبثها ونشرها.
هذه النقطة إن تمَّ تطبيقها ستتراجع حدة انتشار الأخبار المزيفة، والذي يحصل حالياً أنه وبعد انتشار أخبار غير صادقة، تظهر يافطة إلكترونية تتحدث عمّا انتشر في وسائل التواصل الاجتماعي من خبر غير حقيقي بغية تصحيحه. ولكن لم انتشر بالأساس؟ هذا لأنَّ اليافطة ما أتت "مخبرة" عن الواقع، وإنما تأخرت خطوة، لتأتي في أعقاب الخبر المزيف لتعمل على تصحيحه لاحقاً! الخطوة التالية في كثير من الأحايين تُعد جد متأخرة للغاية، خاصة إن كان لها علاقة بأفكار النَّاس وتوجهاتهم.
والثانية منهما تقترح تعيين متحدث إعلامي رسمي في مؤسسات الدولة. هذا المتحدث يكون نقطة وصل بين الإعلام المحلي والجهة المعنية، لتصل من خلاله الأخبار الصادقة إلى الإعلام ومنها إلى الرأي العام.
جال في خاطري، وقت تأملي في هاتين النقطتين، حجم التغريدات التي شهدتها وسائل التواصل الاجتماعي، عندما كانت أخبار مبنى وزارة التربية والتعليم قد ألهبت حماس مرتاديها، فبات الصدق والكذب يقفان آنذاك جنباً إلى جنب بحيث إنك من الصعوبة بمكان أن تتمكن من التفريق بينهما وقد امتزجا باللون ذاته.
وجالت في خاطري ذكريات نواح الفيس بوك على مصير مطار مسقط الدولي – حاز قبل أيام على جائزة أفضل مطار جديد رائد لعام 2018 - عندما كان في طور البناء والتشييد. ولو أطلقتُ للخواطر العنان لما تمكنتُ من متابعة حديث الطائي، لأنَّ الأمثلة عديدة جدًا.
أكان الوضع كما كان، لو أنَّ الجهات الحكومية ظلت تضع بين يدي الإعلام، أولاً بأول، كل ما يتعلق بمشاريعها التنموية؟ ألم يكن بأفضل مما كان، لو أنَّ مسؤولا إعلاميا رسميا كان يطل على الرأي العام فيضع آخر المستجدات بين يديه، بناءً على أن – أحسب أن الطائي قد كررها مرتين ربما – "الكل شريك في التنمية وليس الحكومة فحسب"؟
يقولون إن الشُبهة قد سُميت بالشُبهة لأنّها تشبه "الحقيقة" وتزداد تشبها بالحقيقة يومًا بعد يوم حتى تتخذ شكلها تمامًا، في الوقت الذي كان بإمكان بيان واحد من مسؤول الجهة المعنية أن يوجد بينها وبين الحقيقة فارقاً، إلا أن ذلك البيان تعذر في ذلك الوقت، وربما في أغلب الأوقات العصيبة، صدوره!
لا بأس!
فما كان قد مضى وأضحى عدما، وما لم يأت لا يزال في كتمان العدم، فلننهض بين العدمين نحو شراكة تنموية حقيقية بين الجانب الحكومي والمواطن، عبر منح الإعلام دورا في نشر الحقائق، وجعلها بين يدي المواطن، ليبدي رأيه فيها كما هي، تشف بالصدق فقط.
تُرى، هل يتفق معي القارئ فيما ظننته ليس فحسب مسترعيا للانتباه، بل ضروري التطبيق وبنحو سريع مما أثاره الطائي في محاضرته تلك؟ ينحو ظني نحو الإيجاب على هيئة جزم، في زمن تتسارع فيه وتيرة الأخبار المزيفة والشائعات المغرضة في مضمار مربعات السيليكون بنحو مثير للدهشة والذهول معًا.