حقوق الإنسان وانحدار الأخلاق

مسعود الحمداني

يقول الشاعر والروائي الإنجليزي روديارد كيبلنج: "الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا"، هذه المقولة يبدو أنها لم تعد مطابقة للواقع تماما، فالشرق الروحيّ يذوب شيئا فشيئا في الغرب الماديّ، وما كان بالأمس غير مقبول ومجرّم مجتمعيا ودينيا أصبح اليوم مقبولا، بل ومقياسا على تقدّم الدول على خارطة حقوق الإنسان!!..

فالإنسان ذو رغبات جامحة كثيرة، ولذلك على العالم "المتحضر" رسالة عليا يحاول أن يؤديها رغم أنف الدين والعادات والتقاليد والقيم التي يؤمن بها العالم "المتخلّف" والذي ـ نحن العرب والمسلمين ـ جزء منه، فالبقاء على معتقدات متوارثة طيلة تاريخ طويل لا تعني بالنسبة للغرب شيئا، فالعولمة تعني أخلاقا جديدة، وسلوكيات حديثة، وأنماط تفكير غير تقليدية، وهي هدم لكل القيم التي كان الناس الطبيعيون يؤمنون بها، وتحويلهم إلى البهيمية الدنيا.

العالم المتحضر بدأ بالمرأة، والمناداة بمساواتها بالرجل في كل شيء، حتى آمنت الأنثى بأنها ذكر في ثوب نسويّ، وأخذتها نشوة الانتصار على "العالم الذكوري" حتى صارت لا تهتم بغير عملها، ووظيفتها، على حساب الأسرة وبنائها، وعلى حساب التناغم العاطفي والشعوري بينها وبين الرجل. وفي المقابل صار الرجل يبحث عن المرأة العاملة للزواج ليس حبا فيها، ولكن طمعا في تكوين أسرة ظاهرها الألفة، وباطنها الاستغلال، والأمثلة على ذلك كثيرة تشهد بها المحاكم، ويصدقها الواقع الأليم الذي صار ضحيته الزوجان اللذان يهتمان بمصالحهما الخاصة على حساب الشراكة المخلصة للأسرة التي تنعقد بها الحياة منذ الأزل وإلى الأبد.

ولأن حقوق الإنسان في العالم المتحضر أصبح في قمته، ولأن مشاكل العالم متوقفة عليها، أصبح الزواج المثليّ أمرا عاديا، بل لم يعد المرء يستغرب حين يرى أو يسمع عن رجلين تربطهما علاقة زواج، أو امرأتين تعيشان علاقة حميمة دون أن يثير ذلك انتباه أو استهجان أحد، بل إن القوانين الدولية تحمي حقوق هؤلاء الشاذون حتى عن فطرة الحيوانات..

والأدهى من ذلك أن قائمة المائة امرأة الأكثر تأثيرا تضم مدافعات عن حقوق المثليين، وراقصات، بل وعاهرات، كل ذلك في سبيل تبسيط الأمر لدى الأخريات، وتشجيعهن على خوض المغامرة، وتجميل الصورة الجديدة للإنسان المتحضر في نظر حقوق الإنسان، والتي تنظر إلى الإنسان ككائن حيواني عليه أن يطلق رغباته الجامحة والمكبوتة كي يعيش حياته، وكأن هذا "المخلوق" المطوّر يعيش بمعزل عن البيئة والمجتمع، ولا يؤثر أو يتأثر بمن حوله!

إنّ العالم يتغيّر بفعل الإنسان ويعود إلى البدائية الموغلة في البهيمية، مع تعديلات جينية لا يمكن التحكم بمدلولاتها على البشر، ولن نستطيع إيقاف قطار التغيير الأخلاقي القادم بسرعة البرق، والذي سيدهس كل من يقف أمامه، ولن ينجو من هذا الانحدار دولة، أو شعب، طال الزمان أو قصر، فخطط الغرب تتحقق على يد العرب، والإمّعة التابعين لهم، والذين لا يملكون قرارهم، فحقوق الإنسان لم تعد مساوة المرأة بالرجل، بل مساواة البشر بالحيوانات الدنيا.. وهي استراتيجية طويلة المدى بدأت تؤتي ثمارها بسرعة قصوى، وبدأت الدول المحافظة تخلع ثيابها قطعة قطعة، حتى القطعة الأخيرة، وما بعدها.