عبيدلي العبيدلي
ظهرت نتائج انتخابات المجلس النيابي البحريني 2018، الذي سيتولى مهامه التشريعية خلال السنوات الأربع القادمة. وليس هناك حاجة لانتظار نتائج الجولة الثانية التي لن تكون نتائجها مفاجئة، فقد رسمت ما جاءت به الجولة الأولى ملامح البرلمان الجديد، الذي يمكن تلمسها في النقاط التالية:
- تعبير واضح عن قناعة شعبية واسعة، تعبر عن إحباط شبه مطلق من أداء برلمان 2014، وهو أداء ليس المسؤول الوحيد عنه نواب ذلك البرلمان، إذ مارست ظروف معينة، كانت تمر بها المنطقة عموما، والبحرين على وجه التحديد، دورها في حصر أطر معينة فرضت شروطها بشكل موضوعي على سير انتخابات ذلك المجلس، ومن ثم نتائجها. ليس هذا القول بهدف الدفاع عن ذلك البرلمان، بقدر ما هو تفسير لجانب رئيس لما كان عليه.
- ترقب جماهيري واسع النطاق، بأن يكون لبرلمان 2018 حضورا سياسيا أقوى، عبرت عنه طفرة النسبة المئوية في المشاركة التي قفزت من حوالى 54% في انتخابات 2014، إلى ما يقترب من 67% في انتخابات برلمان 2018.
- محاولة بعض النواب، كما جاءت به تصريحاتهم بعد الفوز، أن يكشفوا النقاب عن توجهاتهم المقبلة، كما عبر عن ذلك، بشكل واضح، القضايا التي يزمعون التوقف عندها، والتي تقترب من هموم المواطن اليومية، دون أن يكون ذلك بعيدا عن المسائل التي أوردوها في برامجهم الانتخابية.
- تحول نوعي واضح، وإن كان طفيفا، في المزاج الشعبي، انعكس بشكل واضح في مواصفات بعض من نجحوا في الوصول إلى المقعد النيابي، وبعض أولئك ممن لم يحالفهم الحظ في نيل الأصوات التي كانت شبه مضمونة في جيوبهم.
في ضوء هذا التشخيص السريع المقتضب، يمكن الانتقال إلى دائرة كيف ينبغي أن تتقبل الجهات ذات العلاقة بالبرلمان، وهي المواطن، والسلطة التنفيذية، والسلطة التشريعية بحجرتيها، هذه النتائج، متناولين ذلك من الدائرة الأوسع وهي المواطن، إلى تلك الأضيق وهي السلطة التشريعية.
بالنسبة للمواطن، يمكننا قول ما يلي:
- لا بد له من مغادرة محطة الأوهام التي تعتقد أن بين يدي أعضاء البرلمان بلورة سحرية تحقق لأولئك النواب، ومن ورائهم المواطن، المعجزات. فقدرة البرلمان ليست قوة معلقة في السماء، بقدر ما هي انعكاس لموازين القوى القائمة في المجتمع، ومن ثم فنتائج الصراع هي انعكاس حقيقي دقيق لتلك الموازين.
- أن ثقل الحركة المطلبية هي محصلة تضافر مجموعة من القوى، تشكل الحركة الجماهيري العفوية أحد عناصرها، ومن ثم فما دام الخمول مستشريا في صفوف المواطنين، سيواصل البرلمان حركته الإستاتيكية الجامدة، وأن تنامي في سرعتها واتجاه حركتها رهن بتنامي حركة عجلة الحضور الجماهيري في أتون ذلك الصراع.
- استمرار النظر إلى البرلمان، بشكل صادق، وليس تكتيكيا، وبعيدا عن النزعة الانتهازية، على أنه الحجرة الرئيسة التي يقع على عاتقها تنظيم حركة الصراع داخل المجتمع، ورسم معالم أطرها، دون أن يعني ذلك إلغاء الحركة الجماهيرية أو حتى مجرد التفكير في تحجيم دورها. هذا يتطلب بناء المعادلة الصحيحة بين البرلمان والحركة الجماهيرية التي تضمن ديناميكية الأولى، وسلمية الثانية.
أما بالنسبة لحركة منظمات المجتمع المدني، والتي همش دورها كثيرا في العقود الخيرة، فلابد من التأكيد على دورها المميز من خلال تصديها لتحقيق الأهداف التالية:
- استعادة الحيز الطبيعي الذي يبيح لها ممارسة دورها البناء في حركة المجتمع المطلبية التي يؤهلها للدفاع عن مصالح، ومن ثم حقوق الفئة المجتمعية التي تمثلها.
- الرفض الواضح الصريح أمام أية محاولة من شأنها حرف مسار حركتها من الطريق المهني/ الاجتماعي، إلى ذلك السياسي المفتعل.
- التناغم مع الحركة البرلمانية وعضدها على طريق إنجاز المهام التشريعية، دون انحراف غير مبرر، نحو المغريات السياسية، ذات المكاسب الآنية.
يتكامل ذلك مع مهام برلمان 2018، التي يمكن تلخيصها في النقاط التالية:
- تحاشي الغرق في مستنقع المهام الخدمية، التي هي من صلب المسؤوليات الملقاة على عاتق المجالس البلدية، والتركيز الشديد على القضايا التشريعية، ومن بينها تلك التي تكتسب سمات وطنية استراتيجية، دون إغفال أو القفز فوق تلك التكتيكية التي لا ينبغي لها هي الأخرى أن تزيح الأولى، أو أن تحتل مكانها.
- الابتعاد عن ممارسة دور المناكف للسلطة التنفيذية، والتحول نحو دور الشريك الاستراتيجي لها، الذي يراقبها وينظم اتجاه حركتها من أجل بناء منصة التشريعات الضرورية التي تكفل تأسيس المجتمع الذي رسم معالمه الرئيسة المشروع الإصلاحي.
- عضد حركة المجتمع المدني، وتنمية قدرات مؤسساته الرئيسة التي تشكل الرافد الأهم لبناء مجتمع تتضافر فيه جهود السلطات الثلاث: التشريعية، والتنفيذية، والقضائية، دون تجاوز لأي منها حدود مهامه، أو تخطي محيط دائرة صلاحيته.
- مد جسور عمل استراتيجي مع الغرفة التشريعية الثانية والتي هي مجلس الشورى، على أسس راسخة، وقناعة ثابتة بتكامل عمل الغرفتين، بعيدا عن التنافس غير المبرر، أو التناكف غير المطلوب، أو التناحر المستنزف للطاقات والمبذر للجهود.
على نحو مواز، يقتضي الأمر من السلطة التنفيذية، إن هي أرادت أن تمارس دورها الطبيعي الصحيح في بناء المجتمع البحريني الذي نادت به مواد المشروع الإصلاحي، العمل من أجل إنجاز المهام التالية:
- قناعة راسخة بالدور المناط بالسلطة التشريعية القيام به، دون الخوف من ذلك الدور، او التوجل مما تمارسه، أو الخشية من القرارات التي تصدر عنها.
- مغادرة موقع النظر إلى البرلمان، وكأنه المتربص بسلوكها، أو المتحين لاقتناص فرصة مجرد توجيه النقد لها لو النيل من أدائها، أو الكامن للانقضاض على برامجها، وطرق نقلها من حيزها التخطيطي إلى فضائها التنفيذي، والتحول إلى جهة تتكامل برامجها مع المنصات التشريعية التي قامت ببنائها السلطة التشريعية.
- قناعة مطلقة بتكامل السلطات الثلاث وتناغم حركتها من أجل التأسيس لبناء مجتمع مدني، تعمل فيه كل سلطة من تلك السلطات في داخل الدائرة التي رسم محيطها بشكل دقيق الدستور، وحدد معالم إطاره الرئيس المشروع الإصلاحي.