عبودية الذات

خلود بنت عبيد الشبيبية

دينٌ بإله وهمي، ليس هناك ثمَّة شريعة نصَّت عليه، دينٌ يخالف الحرية المألوفة معنى وحرفًا، دينٌ ليس له صراط وإنما اعوجاج في اعوجاج، دينٌ ليس بقيِّم خلقته النَّفس واستعبدته، فتحكمت بملذات وشهوات الإنسان وأطلقت لها الْعنان، دينٌ تحت مُسمَّى عبودية الذات وهي الحرية المبهمة للمعاني الجليلة، أن تسجدي لذاتك المقدسة المعصومة من أجناس الصواب.

تعاني النفس البشرية من الاختيار ما بين دوافع الخير والهدى، أو أن تتماشى مع نوازع الشر والضلال، لكنها على علمٍ يقين لا يشوبه أدنى شك بأن هناك طريقين في الحياة لا ثالث لهما؛ طريق كالصراط تزعزعه بعض الابتلاءات والمكاره، وذلك ليس كرهًا وحقدًا على الإنسان، بل ليظهر حقيقة الصدق والصبر في النفس البشرية، لكنَّ نهاية الطريق جنةٌ عرضها كعرض السماوات والأرض، والطريق الآخر ملؤه الشهوات والملذات سهلة المنال والوصول، وذو زينة تزيغ النفس وتصل بها إلى النار.

في وحل العبودية الذاتية، تستجيب النفس لكل النداءات المغرية دون مُباطأة أو تردد، ولكن يُمكن للإنسان التصدي والإعراض عنها مهما كانت المغريات الدنيوية، ويكبح الهيمنة الذاتية والاستيلاء الكامل على نوازع الشر على الحواس والعقل والقلب؛ وبذلك تنعدم الرغبة الكامنة في التخلص من كل ما تسوغ إليه النفس البشرية، والنفس جنة الإنسان وجحيمه.

النرجسية الذاتية والحرية الشخصية شتّان ما بينهما بحرٌ ويابسة، يتضادان لا يتجانسان؛ فالنرجسية الذاتية للإنسان تفوق قدرته على أن تبين له الصواب من الخطأ، فيصوِّب تركيزه على رغباته الدنيوية بصرف النظر عمَّا إذا كانت تشيِّد بناء إنسانيته أو تهدمها، النفس إن أمَّن لها الإنسان كل ما ترغب فإن كل ما بداخلها يهترئ وتتلاشى إنسانيته، وإن عمل على تصديها فهو كفاها وآواها من الأهوال الدنيوية ومصيرها المؤسف في الآخرة، وتكمُن الحرية الشخصية في الإنسان منذ ولادته، وتمتاز أولًا وآخرًا باحترام النفس قبل الآخرين، واحترام الذات يتضمن عدم انتهاك ما يهدم إنسانيتها من أخلاق سيئة وأعمال بذيئة، والحرية الشخصية لا تتعدى كل ما يخدش حرية وخصوصية الآخرين، وتحتاج المعرفة التامة التي تحدث الفرق بين الصواب والخطأ.

عبودية الذات تجمع المتضادبن معنًى وحرفًا بين الخير والشر، والهدى والضلال، وبين الرغبة والتقيد، وهي العامل الرئيسي فيما يمارسه الإنسان من جهل مقيت بمفهوم الحرية الشخصية، تجنح الذات المتعالية والفوضى الغرائزية إلى تبرير السلوكيات الخاطئة على أنها حرية شخصية؛ فلك يا أيها الإنسان أن تتبع بوصلة النجاة، وأن لا تغرق في مُستنقع الأنا الجائعة لما ترغب من شهوات ويهترئ عمق الإنسانية بداخلك.

تعليق عبر الفيس بوك