التنمية المستدامة ورقي المواطن

حمود بن علي الطوقي

 

مُشاركة عُمانية وعربية واسعة في المؤتمر السنوي الثامن عشر بعنوان "دور الحكومات العربية في تحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030" الذي نظمته وزارة الخدمة المدنية وتناول محورًا مهمًا تمَّ مناقشته من خلال جلسات حوارية بمشاركة الخبراء والمختصين من السلطنة ومختلف الدول العربية، المؤتمر كان محط أنظار الكثيرين من رواد التواصل الاجتماعي وتمَّ نقل الحدث مباشرة عبر قناة عمان مباشر.

الجلسة الافتتاحية شهدت إلقاء ثلاث كلمات مهمة إحدى هذه الكلمات كانت لمعالي الشيخ خالد بن عمر المرهون وزير الخدمة المدنية حيث تحدث مرتجلاً عن أهم المحطات التي حققتها التنمية في السلطنة وتحدث عن العديد من المحاور حول الجهود التي تبذل من قبل الحكومات العربية لتعزيز التنمية المُستدامة للدول العربية حتى عام ٢٠٣٠.

لفت نظري أثناء كلمة معاليه أنَّه استدل بمقولة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- في أول خطاب له عندما تولى مقاليد الحكم في ٢٣ يوليو عام ١٩٧٠ عندما قال: جلالته مخاطباً شعبه الوفي: " سأعمل بأسرع ما يُمكن لكي تعيشوا سعداء." .

من خلال هذه المقولة التي تتناول محور تنمية المواطن كان لابد أن أسأل صاحب السُّمو السيد أسعد بن طارق آل سعيد الذي رعى حفل افتتاح أعمال هذا المؤتمر عن أهمية بناء الإنسان العُماني في فكر صاحب الجلالة السلطان قابوس -حفظه الله - وقال سُّموه:" سنظل ندعم الإنسان العُماني إن شاء الله ونشجعه للرقي ولدينا كل المقومات، لدينا جامعة عُمان تحت الإنشاء. ومستمرون في الابتعاث وتشجيع التعليم، وماضون في نفس الهدف الذي رسمه حضرة صاحب الجلالة -حفظه الله- نحو الاستدامة والرقي".

هنا نقرأ أنَّ بناء الإنسان العُماني هو أحد أهم محاور التنمية المستدامة التي ترتكز عليها الرؤية والبوصلة العمانية.

ومن محاسن الصدف أن تتم استضافتي في برنامج حواري بإذاعة الشبيبة للحديث عن الأوضاع الاقتصادية التي تمر بها البلاد وأهم المؤشرات الاقتصادية للموازنة العامة للدولة التي من المفترض أن يتم الكشف عنها مع بداية العام الجديد ٢٠١٩ وكذلك أهم ملامح التنمية المستدامة، وقد كنت أشارك في هذه الجلسة النقاشية سعادة المهندس محمد بن أبوبكر الغساني عضو مجلس الشورى والزميل الصحفي يوسف البلوشي المُحرر الاقتصادي بجريدة الشبيبة من خلال قراءة سريعة للوضع الاقتصادي الراهن ومنذ بداية التدهور في أسعار النفط عام منذ ٢٠١٤.

كانت مداخلتي في هذه الحلقة النقاشية أنَّه من خلال متابعتي للوضع الراهن والتشخيص أرى أن المخططين والمنشغلين بالوضع الاقتصادي يبحثون عن ما هو سهل المنال وجاءت قرارات بعض الجهات الحكومية بفرض الضرائب كبديل لزيادة أموال خزينة الحكومة، ويكون المواطن مساهمًا في رفد هذه الخزينة، في الوقت الذي كان الأجدر أن تبحث الحكومة ما هو البديل عن مورد النفط ويفيد المواطن كأحد أهم أركان التنمية المستدامة.

 ومن مبدأ وضع الأمور في نصابها ونعمل من منطلق التكيف مع الأوضاع الاقتصادية، فعلينا أن نعود إلى التوجيهات السامية لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم- حفظه الله ورعاه- الواضحة وضوح الشمس في كبد السماء والتي تنطلق من مبدأ تعظيم الاستثمار والبحث عن مصادر جديدة للدخل القومي والابتعاد كلياً عن المساس بما يُؤثر على المواطن، وأعتقد أننا ركزنا في المرحلة الماضية كثيرًا على مبدأ ترشيد الإنفاق وأهملنا في ذات الوقت التركيز على بناء المواطن، وكأن من شأن هذا الترشيد أن يُعزز من إجمالي الناتج المحلي للدولة ويرفد خزينة الحكومة بمبالغ تغنينا عن البحث في الاستثمارات الجادة وذات القيمة المضافة.

 وأعلم يقينًا أنّ المُخططين للشأن الاقتصادي على دراية كاملة بأنَّ هناك بدائل مهمة يمكنها أن تعزز من زيادة الانتعاش الاقتصادي العُماني ولا نعتمد فقط على مورد النفط الذي مازالت مساهمته في الناتج المحلي عالية جدا وتصل إلى ٧٩و٨٠ ٪؜ بينما قطاعات واعدة مثل السياحة والزراعة واللوجستي وقطاعات النقل والاتصالات والشركات الصغيرة والمتوسطة مازالت مساهمتها متواضعة، ولم تصل إلى مستوى الطموح، فبلادنا قد حباها الله بخيرات كثيرة، وموارد بديلة وهي قادرة على أن تحل محل النفط والذي سوف ينضب في يوم من الأيام.

الكثير من الندوات والمؤتمرات عقدت وطرحت فيها العديد من الآراء والأفكار لتعزيز الاقتصاد الوطني ورفد خزينة الدولة بأموال قد تكون البديل عن النفط ولكن يبدو أنَّ التحرك في مجال التنويع الاقتصادي يحتاج إلى سياسة النفس الطويل، لهذا اتجهت الآراء إلى ترشيد الإنفاق وفرض ضرائب لسد العجز.

 هناك نشاط ملحوظ يتمثل في تحويل الأموال من قبل القوى العاملة الأجنبية ولا يفرض عليها ضرائب ولابد من وجهة نظري من طرح بعض الأفكار للاستفادة من هذه التحويلات المالية الضخمة منها فرض رسوم على هذه الأموال والتي تحوَّل يوميًا بمئات الملايين من غير وجود أية قيود.

صحيح أن ما يُميز الاقتصاد الحر هو عدم وجود قيود على الأموال ولكن فرض ضريبة ولتكن بنسبة ١٪ أو٢٪ أمر مهم إذا ما عرفنا أنَّ آخر الإحصائيات الرسمية من قبل البنك المركزي تشير إلى أنَّ حجم تحويلات القوى العاملة الأجنبية في السلطنة خلال العام المنصرم بلغ نحو 3,774 ( ثلاثة مليارات وسبعمائة وأربعة وسبعين) ريالاً عمانياً وهذا المبلغ بحد ذاته يمثل أكثر من ٣٥٪ من إيرادات النفط.

هناك مجالات واعدة للاستثمار مفتوحة ومتاحة ويجب أن نشجع العمالة الوافدة للتوجه للاستثمار في السوق المحلية بدلاً من التحويلات الضخمة وبإمكانهم توظيف جزء من مدخرات القوى الوافدة الأجنبية في الاستثمار في البلاد بدلاً من تحويل كل المدخرات إلى الخارج..

علينا أن نتعلم من هذه الأزمة، حيث إننا لم نفرح طويلا عندما بدأ يتعافى الاقتصاد بارتفاع أسعار النفط حيث وصل إلى أعلى المستويات بحدود ٧٥ دولارا. لنرى أنه بدأ ينخفض ليسجل حتى موعد كتابة هذا المقال نحو ٥٩ دولارا .

علينا كحكومة وكقطاع خاص أن نحقق مبدأ الشراكة ونضع أولويات البحث عن البدائل بحيث لا نحتاج إلى النفط حتى وإن تعافت السوق النفطية، فلدينا البديل ألا وهو التركيز على الاستثمار في العنصر البشري من خلال إصلاح العملية التعليمية والارتقاء بها إلى مصاف العالمية وجعلها مواكبة لمتطلبات سوق العمل والإخلاص في العمل، هنا سنجد التحول الجذري لاستثماراتنا شريطة أن نعطي القطاع الخاص كل الدعم لكي يحقق مفهوم مبدأ الشراكة ويكون المواطن هو أحد أهم موارد التنمية.