ما فاز إلا النُوَّمُ!!

 

◄ كيف يُرجى لحب العمل أن يرقى بالواجب والقلوب تهتف باسم المصالح الشخصية أنَّ القوة والغلبة لمن يُجيد التحايل؟

 

د. سعيد الحارثي

غازل أحد غُلمان الخليفة سليمان بن عبد الملك يوماً جاريةً من جواريه، وقد هام بها عشقاً، فأنشد فيها، وقد رأى في منامه ما رأى من حُسنها وجمالها وتمنى ألا يصحو من ذلك المنام بقوله: "فَطَفِقْتُ يَوْمِي كُلَّهُ مُتَرَاقِدًا ** لِأَرَاكِ فِي نَوْمِي وَلَسْتُ بِرَاقِد".

وكم هم المتراقدون في هذا الزمن عن حقوقهم أملاً في أن يرونها واقعاً ملموساً تُجبى منها وإليها ثمرات كل شيء. نبحث من حولنا عن مفاتيح السعادة ولا نستطيعها عندما يغمر أيامنا إرهاصات مقيتة تتجاسر عليها سلوكيات بعض رؤساء وزملاء العمل، أصلحهم الله.

تمر على البعض ساعات العمل كئيبة بين مُتملق ومتشدق ومُنافق ومُتجبر وجاسوس وصاحب فتنة ونمامٍ ومرتشٍ ومتعجرفٍ متعالٍ. والكثير منِّا يقضي يومه مع "عدو عدوه" والذي توهمه الحاجة إليه إلى أنَّه صديقه!، ويوماً بيوم يرتفع مؤشر الجرأة على المصالح وترجح كفة التدليس وتتفجر عيون الفساد من تحت صخور بعض الإدارات المُتسلطة، بل ومن تحت أرجلنا نحن الشباب المتراقدين، فنتجرع ألم الاستخفاف بعقولنا والتحكم في مصائرنا والتفريق بيننا سداً لذريعة أن نجتمع على خامة شبابية ناجحة يمكن أن تُهدد كرسي المسؤول.

نحن الموظفين نتراقد عن الكثير والكثير من التجاوزات قلقاً على مصالحنا الشخصية، وحباً في نيل الحظوة والقربى من المسؤول دون الالتفات إلى المبادئ المُشتركة للمصالح العامة، والتي إن هلكت سيهلك معها الجميع، وإن نجت فنجاتها خير للجميع. أليس لنا في قائد مسيرة العمل المُباركة أسوة حسنة طيبة، تشرئب بها النفوس وتنضج بها العقول، وهو القائل حفظه الله: "واعلموا أنَّ الحضارات لا تقوم إلا إذا توفرت لها المقومات الأساسية وعلى رأسها حب العمل بين الأمة الواحدة". كيف لحب العمل أن يرقى إلى قيمته الحقيقية ولا مُعين على ذلك؟ كيف لحب العمل أن يسود المؤسسات وفيها هذا الحجم الهائل من مفسدات العطاء وموبقات النجاح؟ كيف يُرجى لحب العمل أن يرقى بالواجب والقلوب تهتف باسم المصالح الشخصية أنَّ القوة والغلبة لمن يجيد التحايل ويستطيع التفرد بالقرار ويقفز على القوانين واللوائح؟

وتكريساً لهذا النوع من المُمارسات، يغرس بعض المسؤولين من ضعاف النفوس قيماً مهترئة وزائفة بين موظفي أقسامهم ودوائرهم يندى لها جبين المطّلع. بل ويتعدى الأمر إلى مكافأة السلوكيات غير السويّة لبعض الموظفين من خلال رفع درجاتهم في تقارير الأداء الوظيفي، لمجرد أنَّهم مقربون ومستعدون للخدمة الشخصية. ولا عجب في تسويف الموظف لأعماله وإبطاء مُعاملاته عندما يعلم علم اليقين أنّ التقييم النهائي لأدائه لا يبنى إلا على مواقف بعينها يبحث عنها المسؤول في مرؤسيه ولا تمت بأيِّ صلة للجودة والإنتاجية، بل هو، أي التقييم، تكريم للموفين بالعهود، ولأصحاب الوحي اللغوي الذين: "مازِلْتَ تَحْسِب كل شيء بعدَهم ::: خيلاً تكر عليكمُ ورجالا"، ذلك الوحي الذي تتخطف به الإنتاجية من أهلها بأكيال من عبارات الثناء على المسؤول.

وبعيداً عن الخوض في التفاصيل، فإنَّ الحقيقة التي تقف وراء كل هذا الزخم من التجاوزات هو غياب الحيادية وتغليب عامل العلاقة الشخصية. والواقع الذي يفرض نفسه هنا هو أنه، مع تزايد الأدوار التي تقوم بها المؤسسات لضبط الإجراءات الإدارية لمُراقبة الموظفين وتعزيز أدوارهم وتحديد شكل علاقتهم برؤسائهم، نجد أنَّ دائرة ابتكار أساليب التحايل على نظم العمل تزداد اتساعاً بين جمهور الموظفين غير الجادين. ولعل العامل الأكثر تهديداً لسلامة النظم الإدارية المحدثة هو حالة النقص المهني والاجتماعي، في بعض الأحيان، والتي قد يشعر بها بعض من قُلِّدوا صلاحيات ليسوا أهلاً لها، إذ إنهم من فرط قلقهم على وظائفهم "يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ". والله المستعان. 

تعليق عبر الفيس بوك