لا عزاء للشعر الشعبي في "لجنة الحجب"

مسعود الحمداني

قبل أيام، أُعلنت نتائج جائزة السلطان قابوس للثقافة والآداب والفنون، وكانَ أغرب أحداثها هو حَجب جائزة الشِّعر الشعبي، والذي نَزَل كالصاعقة على رأس كلِّ المشتغلين والمتابعين لهذا الشعر، ولكن إذا عُرف السبب بطل العجب؛ فلجنة تحكيم الشعر الشعبي ليس لها علاقة بالشعر الشعبي!! واختيارها لهذه المهمة قد لا يكون ذنبها -مع أنه كان بإمكانها رفض المهمة من أساسها- ولكن لا أدري ما الحسابات التي بَنت عليها إدارة مركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم معايير اختيارها للجنة: هل هو عدم اعترافها بأي منجز لأي شاعر مُهتم ومُتخصص بهذا المجال، أم أنه قرار جاء لاعتبارات شخصية لا علاقة لها بالشعر، أم لأمر نجهله، ولا تعلمه سوى إدارة المركز؟!
فلجنة جائزة السلطان قابوس لفئة الشعر الشعبي  -مع الاحترام لأشخاصها- كانت غير مُتخصِّصة، وغير مُؤهلة لهذا المجال، وتشكلت من ثلاثة شعراء: اثنان شاعرا فُصحى، لا تربطهما بالشعر الشعبي علاقة دَم ولا قربى؛ أحدهما نائب رئيس مركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم، وهو الجهة المشرفة على الجائزة!! وهذا أمرٌ كان على المركز أن يترفَّع عنه، إداريا على الأقل، بينما كان العضو (الخليجي) المقيِّم شاعرا غنائيًّا تبرمجتْ ذائقته على نوعية مُعينة من الألحان والكلمات، ولم يكن -رغم تاريخه الغنائي- قادرا على التواصل مع جائزة بهذا الحجم، وكان بالإمكان الاستعانة بشُعراء خليجيين ذوي تجربة واسعة واطلاع قريب على القصيدة الشعبية العُمانية ومساراتها، وما أكثرهم.. وتجاهلت إدارة المركز أي شاعر شعبي عُماني ذي تجربة ومعرفة ودراية بهذا الشعر ليكون ضمن اللجنة، على الأقل من باب المصداقية، رغم الاستعانة بهم في لجنة الفرز الأوليّ!!
وفي هكذا ظروف، لم يكن غريبًا أن تحجب اللجنة الجائزة عن الشعر الشعبي، وبرَّرت ذلك بتبريرات لا تُقنع عاقلا أو حتى نِصف عاقل، ولو نظرت اللجنة المحترمة لما حدث لتردَّدت ألف مرة قبل أن تُعلن حجبها، ولو كانت اللجنة مُتابعة لحركة الشعر الشعبي العُماني، والإشادات التي يتلقاها في كل محفل ومهرجان، لتوقفت كثيرا قبل أن تَطعن كلَّ إنجازات هذا الشعر في مقتل، ولو أنَّ للمركز نفسه نظرة بعيدة وموضوعية للأمر لتدخَّل كي يُنصف إحدى أهم الركائز الإعلامية والثقافية العُمانية التي من خلالها تعرِّف العالم العربي بأصوات شعرية ما كان له أن يعرفها لولا وجود شعراء حملوا على عاتقهم أمانة ومسؤولية توصيل رسالة الشعر للآخرين داخل وخارج حدود السلطنة، وكان للشاعر العُماني في كل محفل تواجد، له فيه صولات وجولات يشهد بها الغريب قبل القريب، ولو أنَّ المركز واللجنة نَظَرا إلى أفق أوسع لمآلات قرارهما لوجدا أنهما ارتكبا خطأ فادحا لا يُمكن إغفاله بحجب جائزة الشعر الشعبي.
... إنَّ القصيدة الشعبية تعيش عصرها الذهبي في هذا العهد الزاهر، وما حَجب جائزة السلطان قابوس للثقافة والآداب والفنون من لجنة غير مُتخصِّصة إلا بمثابة عدم اعتراف بهذه القيمة الأدبية، وتجاهُل لأزهى الفترات التي تعيشها القصيدة الشعبية العُمانية حاليا، وعدم وعي بالإنجازات العظيمة التي حقَّقها هذا الشعر في برامج شعرية خليجية وعربية من شعراء ونقاد مُتخصصين، ولا تتَّسع هذه السطور لجرد تلك الإنجازات، ولو أنَّ إدارة مركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم تابعوا المنجزات الماضية والمنجزات التي حقَّقها الشاعر الشعبي العُماني خارجيا فقط، خلال هذين الأسبوعين اللذين أعقبا إعلان الحجب، لربما رتَّبوا أوراقَ النتائج من جديد، رغم أنَّني أشك في أن ذلك أمر يهمهم.
لقد شارك في هذه الجائزة شُعراء لهم باع طويل ومسيرة زاخرة في مجال الشعر الشعبي، ومن مُختلف المدارس والمشارب الإبداعية؛ فمنهم المجدِّد، ومنهم الكلاسيكي، ومنهم المعروف في الفنون المغناة، ومنهم من يملك مخزونا بيئيا وثقافيا كبيرا، غير أنَّ كل هؤلاء وتجاربهم لم تقتنع اللجنة غير المتخصصة بتجربة عمانية واحدة تستحق الجائزة، وأنا أجزم بأنَّ اللجنة عجزت عن قراءة النصوص المقدَّمة قراءة صحيحة، وليتها اعترفتْ بقصر معرفتها بذلك؛ فذلك ليس عيبًا، واستعانتْ بشاعر شعبي عماني واحد تكون مُهمته فقط قراءة القصائد على مسامعها، لكان ذلك أدعى وأكثر مصداقية لها، بدلا من أن تكابر على نفسها وتهرف بما لا تعرف.
لقد كان قرار حجب جائزة السلطان قابوس عن الشعر الشعبي بمثابة قرار غير مُنصف، ومقصلة عُلّقت عليها مسيرة ومنجزات هذا الأدب الشفهي الذي اعترف به النقاد في العالم العربي، وتجاهلته أسمى جائزة عُمانية.
لعلَّ البكاء على اللبن المسكوب لن يُجدي نفعًا، ولكن اللبن هذه المرة فاض عن "الجحلة".. ولا عزاء للشعر ولا الشعراء.

Samawat2004@live.com