واجهات الواجهات

غسان الشهابي

 

أكثر الدول العربية التي زرتها أو اطلعت على جانب من أنظمتها لم تكن تخلو من عدد من الأجهزة والمؤسسات والدواوين والمنظمات ذات الأسماء الرنانة التي ربما لا يوجد شبيه لها في بعض الدول الغربية. فلا ننسى منها منظمات حقوق الإنسان، والعدالة، والمساواة، وحقوق المرأة والطفل، ومكافحة الفساد، ومكافحة التمييز بكل أشكاله، وضمان حقوق المهاجرين، والحريات، وشيء غير قليل من المكاتب المشابهة التي تشير إلى أنها موجودة، ولكن ما الذي تفعله على وجه التحديد؟!

غالباً ما تُشير هذه اللافتات المرفوعة، والمؤسسة من قبل الدولة هذه أو تلك، إلى وجود مشكلة في هذه الجوانب وإلا لما رفعت، ولما غدت لها كيانات ومقرّات وموظفون وممثلون وغيرها من الممارسات الشرعية في البلاد، وأنّ هذه الجهات ما وُجدت إلا لإنهاء هذه الظواهر، أو الحدّ منها.

وعلى الرغم من رعاية الدول لهذه المؤسسات، نجد أن مراكزنا عالمياً متأخرة في الفساد، وفي التمييز، ومواقعنا في حرية الرأي متأخرة، ومستوياتنا التعليمية ليست مشرّفة، وفي التنمية البشرية، أو الإنسانية لا تتناسب مع ما ندّعي أننا متقدمون فيه، وموضوعات المُراقبة والمحاسبة مخترقة إلى حدٍّ كبير حتى أن ثقوب شباكها من الاتساع بحيث لا تمسك لصّاً ولا تمنع فاسداً، والاتجار بالبشر سارٍ من دون شعور به، حتى ليستغرب المرء: هل تزيد الظواهر السلبية بوجود هذه الكيانات أم تقلّ؟!

من دون تعميم أو تخصيص، نجد أنَّ غالبية الدول العربية ما أنشأت تلك الكيانات من أجل التحكم في المشاكل التي تتسبب في معظمها إما الأجهزة الرسمية بالممارسة أو غضّ الطرف عن الممارسة، ولكنها أنشئت واجهات كرتونية من أجل الاستكمال الشكلي للأجهزة المساندة للمكائن الثقيلة المعتادة للدولة، على أن تكون منزوعة السلاح، منزوعة الأسنان، منزوعة الدسم، يخادعون بها الأمم وما يخدعون إلا أنفسهم، إذ العالم اليوم لا ينطلي عليه هذا الهراء، ولا أحد يأخذ التقارير الرسمية (وحدها) مأخذ الجد ما لم تكن مُعززة بتقرير مواز عن المسألة نفسها من جهة أهلية، وغالباً ما يتواجه الطرفان تكذيباً لبعضهما من دون جدوى.

لقد آن لهذا الخداع المقيت والكذب المطلي بطلاء المؤسسات ذات الأسماء البراقة، أن ينتهي عربياً لأن هذه المؤسسات لو بدأت عملها الجدي والحقيقي اليوم ستحتاج إلى عقود لتصفير ملفات ما سلف.

 

تعليق عبر الفيس بوك