نوفمبري الهوى

سالم بن نجيم البادي

حِين جاء نُوفمبر ابتهجتْ الأرض، هبَّت نسماتٌ شتوية باردة في الصباح النوفمبري، ومن حسن الطالع أن تُمطر السماء في نوفمبر.. غيمٌ ومطرٌ يُعطِّر الأجواء برائحة الأرض، الندى الليلي، وبخور ظفاري ينثُر الفرح الغامر.

الصباح النوفمبري مُختلف في قريتنا النائية؛ حيث البراءة والطُّهر، والفطرة النقية الموروثة، وطيبة سكانها وعفويتهم في الصباح، بأمل زاهٍ وصدورٍ منشرحة، وقلوب سعيدة، تغرِّد العصافير فوق أغصانٍ تتمايَلُ طَرَبًا.. كلُّ شيء يبدو مُبتهجا بقدوم نوفمبر.

الشياه والجمال في طريقها للمرعى تودِّع صِغَارها التي ملأت المكان ضجيجًا، في الصباح النوفمبري أجدني قريرَ العين، مرتاحَ البال، يغمر قلبي فرح مُفاجئ.. إنَّه نوفمبر.

أشمُّ رائحة قهوة صباحية سوف تمزج بالهيل والزعفران، وأقراص خُبزٍ ذي رائحة زكية.

نوفمبري الهوى أنا.. وطنٌ آمن، وطنُ العيش الرغيد، وقائد ملهم وحكيم، وأنا نوفمبري الهوى.. قالت امرأة عجوز: "هو فيه حد في عُمان ما يعرف نوفمبر؟! ما ينتظر نوفمبر ما يفرح بنوفمبر، ما يحتفل بنوفمبر". وأضاف رجل كان يَسمعُها: "يا حظهم مواليد نوفمبر". وقالت طفلة صغيرة، بعد أن رفعت بصرها نحو وجه والدها: "أريد أعلام صغيرة، وفستان بألوان علم عُمان"، وسألت ببراءة: "كم يوم باقي على العيد الوطني؟".

في نوفمبر يَتَسابق الشعراء في نَظْم دُرَر للوطن والسلطان، وأهل الشلات والعازي والأغاني والطرب والفنون الشعبية، وأنا اشدو معهم في صَمت وتأمُّل.. لحنُ نوفمبر يملأ نفسي حبورا، وأطوف بفخر وإعجاب في مواقع التواصل الاجتماعي الحافلة بالصور، ومواقف ومشاهد لجلالة السلطان الحبيب المفدى، وللوطن، وللإنجازات والعزة والفخر والمجد والكرامة.

نُوفمبري الهوى أنا يا وطن رائع وجميل.. يأتي النهار النوفمبري مُختلفا، مُعتدل الطقس، هادئ الأجواء تتجمع السُّحب قبيل الظهر في سماء عُمان، تهب رياح عذبة.. برقٌ ورعد، لهفة المطر وانتظار الغيث لتكتمل النعمة.

نهارُ نوفمبر حركة نشطة، واستعدادات الأطفال لشراء لوازم العيد: أعلام وأوشحة، والفتيات يشترين فساتين مُزركشة بألوان العلم العماني أو يستعرن من معارفهن.. أطفالُ المدارس في نوفمبر مرحُون، سعداء، تتزيَّن مدارسهم بالأعلام وصور السلطان، وتصدح حناجرهم في إذاعة طابورالصباح بحب الوطن والسلطان.

نوفمبري الهوى أنا.. مُعجِزة وطن، فخر التاريخ، حضارة راسخة الجذور، ومستقبل واعد ومُشرق.

في ليل نوفمبر.. يُخيل إليَّ أن القمر في قريتنا أكثر بهاءً.. ليل نوفمبري بهيج، أضواء وأسواق عامرة، وتجارة مزدهرة، وسيارات تتهادى مُغطَّاة بالزينة وصور جلالة السلطان والأعلام وعبارات في عشق الوطن.

في ليل نوفمبر.. الطقس مُنعش ومُبهر وجميل، ليل نوفمبر يدعوك للسهر المُمتع كأنَّك لا تُريد النوم لفرط سعادتك.

الوسطية، والاعتدال، وذوبان الفوارق الاجتماعية والقبيلة والمذهبية والمناطقية في وطن واحد اسمه عُمان، بات مضربَ مثل في التعايش والسلم الاجتماعي، عُمان الزهو والاعتزاز بالهُوية، والمواطنة الصالحة، والتاريخ المجيد، وشواهده الشامخة.

أعلام عُمان في الشوارع وعلى المباني والمنازل والمؤسسات الحكومية والخاصة، وفي كلِّ مكان في عُمان، أعلام ترفرف، تُشارك القوم أفراحهم.

وأنا نوفمبري أردِّد أناشيد الولاء والطاعة والحب، ولا أحتاج دليلا يشهد على وطنيتي وحبي لوطني، هذا أمر فطري، يغمر القلب، ويجعلك تخلص النية، ولا تألو جهدًا في خدمة الوطن والناس، وتجدِّد العهد والوفاء لجلالة السلطان، رمز الوحدة الوطنية، وقائد النهضة المباركة.

نوفمبر كله فرح واحتفال واحتفاء بالوطن.. حفلات عفوية في المدن والقرى والصحاري والجبال، احتفالات فرح عميق وحقيقي، لا تصنُّع فيها ولا رجاء منفعة.. فالحمد لله، بلدةٌ طيبة ورب غفور.

تعليق عبر الفيس بوك