المواطنة والرياضة.. وجهان لعملة واحدة

المعتصم البوسعيدي

تشرَّفتُ مُؤخراً بحضور الحلقة النقاشية المعنونة بـ"المواطنة والرياضة وتعزيزها في الملاعب والمناهج الدراسية"، تحت إدارة مجموعة التربية على المواطنة والدراسات الاجتماعية بجامعة السلطان قابوس، وبحضور مجموعة غنية بالفكر المتنوع والناضج والمتحرر من قيود واقع الرياضة العُمانية الصعب؛ لجعل عُمان الأفضل والأجمل أرضاً وبشراً وفضاءاتً مُضاءة بالقيم السامية.

لقد نثر المشاركون في الحلقة فكرهم المتقد، ورؤيتهم النبيلة لتعزيز روح المواطنة في الملاعب والمناهج الدراسية؛ فكان السيد خالد بن حمد مدرسة الخبرة الكبيرة بسمته المعتاد يطوف بين أعوام خلت ويستشرف أعواماً آتية، ومحمد الشحي عضو مجلس الاتحاد العُماني لكرة القدم يسلط الضوء على دور الاتحاد وأبوابه المشرعة لكل الرؤى الطامحة، فيما أعطى الدكتور عبدالرحيم الدروشي والدكتور علي اليعربي ملامح حول مفاهيم التربية الرياضية وضرورة رسم القدوات الرياضية للأجيال القادمة، مع أهمية تكريس المواطنة في المناهج الدراسية؛ الأمر الذي عززته الدكتورة بدرية الهدابية بمهنيتها الموضوعية وتراكمية تجربتها المسؤولة الناجعة، على أن الصوت الرسمي لرأس الهرم الرياضي في السلطنة انطلق على لسان الأستاذ محمد اليحمدي، الذي أكد أنَّ الوزارة تمارس المواطنة بشكل أو بآخر ضمن مجموعة من البرامج والأنشطة؛ لعلَّ أبزرها: برنامج "شجع فريقك"، فيما كانت الرؤية من منطوق الدكتورة مروة حمدي غارقة في الجماليات والفلسفة العالية، حتى إنَّ عنوان المقال هذا مقتبس من مِدادِ كلماتها النيرة، علاوة على إدارة الحوار المتزن من قبل الأستاذ حميد السعيدي مع إحساس عالٍ بالاهتمام والتنظيم من قبل بقية أعضاء المجموعة؛ أكسب النقاش أهميته البالغة.

مع كل هذا التطواف السريع وقفنا أنا والأستاذ أحمد السلماني رئيس القسم الرياضي بجريدة "الرؤية"، لندحرج الكرة بقدم الإعلام الرياضي، الذي لا نُمثله على المطلق، إنما نعبر عنه باعتباره السلاح الأقوى لصناعة الرياضة، فتدافعت القناعات بين الشد والجذب، مع قناعة أن الدور الإعلامي لا يخرج عن واقع الرياضة العُمانية الصعب بشكل عام، وما يُراد له وما هو يريده لنفسه، إعلام يجد مكانته في آخر سطور إستراتيجية الرياضة العُمانية التي استمرَّ إعدادها ست سنوات تقريباً قبل وضعها في مرحلة التنفيذ بالخطة الخمسية (2011-2015)، واليوم نتحدث عن ضرورة صياغتها من جديد بحكم أنها لا تواكب التطلعات.

شخصيًّا أقول إن المواطنة تنطلق من ذاتها إلى ذات الرياضة، وقبل وصولها للرياضة يجب أن يدرك المختصون فيها واقع الرياضة العُمانية، وأين هي وماذا نريد منها؟ كما طرحه السيد خالد بن حمد، وكيف نبلور ما نريده منها في الرؤية الوطنية (2040) كما ذكر ذلك الدكتور سيف المعمري، أما علاقة المناهج الدراسية بالمواطنة، فيجب أن تتحلى بروح المدرب "كارتر" الذي نوَّهتُ عنه في مقال قبل عامين بالضبط عند إشهار الاتحاد العُماني للرياضة المدرسية، وأهمية صناعة "الطالب الرياضي لا الرياضي الطالب"، أما المال فهو بالتأكد ترياق الرياضة، أو عمودها الفقري، وفيما يخص الإعلام فالأمر يتعلق بممارسة دوره "كصانع للأمل" الأمل الحقيقي لا الساذج، فالواقع أكبر من أن نتجاوزه؛ حيث نحتاج لأولوية رياضية على سلم الخطط الوطنية، وبيئة رياضية تتعزز فيها المواطنة الصالحة، من بُنى تحتية تنبض بالحياة، وجُرأة كبيرة للتغيير، وإيمان راسخ بالطاقات العُمانية من أجل تحقيق الإنجازات العالمية خاصة الأولمبية منها، فمع الإنجازات تتحرك الأشياء إلى أماكنها التي نريد بسلاسة سريعة والعكس صحيح.

ختام الجلسة النقاشية كان بمثابة جذوة البداية التي يجب ألا تتوقف عند هذا العصف الذهني المثمر، والهدف الأعم يشمل كل أطياف الرياضة من وزارة الشؤون الرياضية إلى اللجنة الأولمبية مروراً بالاتحادات واللجان والأندية، وصولاً إلى "قطب الرحى" الجماهير الرياضية التي تورَّد إليها المواطنة وتقوم بتصديرها عبر مجموعة القيم التي تبني عُمان، على أن يكون الإعلام الرياضي صانع الحدث وقارئ السطور ومقوم المسار، ومسوق صناعة الرياضة المزدهرة، وبالتالي فإن المواطنة والرياضة ستصبحان بالضرورة وجهين لعملة واحدة "تنمية وتمكين وتطوير في إطار متعدد الثقافات".