السفر بين المجرات حلم يتحول إلى حقيقة

 

إن أبعد مسافةٍ قطعها إنسانٌ حتى اليوم هي إلى القمر، الذي يبعد عن الأرض 386400 كيلومتر. وقد احتاج روّاد الفضاء للوصول إليه ثلاثة أيام. ويحتاج الضوء للسفر من القمر إلى الأرض إلى ثانية واحدة وثلاثة أعشار الثانية، أي ما يشبه غمضة عين. وإذا أردنا التواصل مع الذين هم على القمر، ليس هناك من مشكلة في الاتصالات جميعها التي نجريها وبواسطة موجات الراديو، التي تسافر بسرعة الضوء، أي ما يقرب من ثانية.

لكن إذا أردنا أن نذهب أبعد من ذلك، إلى المريخ مثلاً، فإن الرسالة تحتاج إلى 12.5 دقيقة للوصول، أو كما نتواصل الآن مع المركبة الفضائية "فوياجر" التي وصلت إلى حدود نظامنا الشمسي، تحتاج الرسالة إلى 18 ساعة للوصول. لكن إذا أردنا إرسال معلوماتٍ إلى نظامٍ آخرَ جارنا في مجرتنا درب التبانة وهو "ألفا سنتوري"، والذي يبعد 40 تريليون كيلومتر، سوف نحتاج إلى أربع سنواتٍ لتصلنا الرسالة. فما بالنا إذاً بالتواصل مع الكواكب في مجرتنا أو بين المجرات؟ وهكذا فإن الاتصالات والمواصلات إلى هذه المسافات لن تعود مجديةً أو حتى ممكنةً بما هو متوفرٌ لدينا حالياً.

حتى الآن، لم تكن هناك حاجةٌ لدينا لتطوير سفرٍ أو اتصالٍ فائق السرعة، أسرع من الضوء. لكن من يدري، قد نحتاجه في مستقبلٍ ليس بعيداً.

قبل وفاته بمدة قصيرة، هذه السنة، دعا عالم الفيزياء الفلكية الإنجليزي ستيفن هوكينغ، إلى التفتيش عن كواكب أخرى للانتقال إليها خلال المئة عام المقبلة، لأن الكرة الأرضية لن تكون صالحةً للحياة في مستقبلٍ غير بعيدٍ، لعدة أسبابٍ لا يتسع المكان هنا لشرحها.

إزاء ذلك، تصبح الحاجة إلى سفرٍ أسرع من الضوء ليس فقط ضروريةً، بل وجودية.

لكن، هل تسمح قوانين الفيزياء التي نعرفها حتى اليوم، السفر أسرع من الضوء؟ هل ما نشاهده في أفلام الخيال العلمي، من رحلاتٍ بين النجوم والمجرات، لديه أساس علمي؟ هل نستطيع يوماً ما تحقيق ذلك في واقع الحياة، كما تحقق كثيرٌ من أحلامٍ دغدغت مخيّلة بعض الرواد في الماضي مثل مايكل أنجلو في القرن الخامس عشر وجول فيرن في القرن التاسع عشر؟

نطرح هذه الأسئلة مع معرفتنا أن معظم الكتب المدرسية والجامعية تنص على أن لا شيء يستطيع السفر أسرع من الضوء بحسب نظرية أينشتاين حول النسبية العامة. إذا كانت هذه هي الحال، فهل يصبح السؤال حول السفر أسرع من الضوء خارج السياق العلمي وحتى الخيال العلمي؟

ليس تماماً، إن بيان النفي أعلاه "بحاجة إلى إعادة تعريف"، كما يقول عالم الفيزياء الفلكية الشهير ميشيو كاكو.

 

فعندما يتكلم أينشتاين أن لا شيء يمكنه أن يتحرك أسرع من الضوء في الفراغ، فهو يعني أن أي شيء له كتلة (أو وزن تقريباً، الوزن له علاقة بقوة الجاذبية، وهو يختلف خارج الكرة الأرضية بين مكان وآخر، أما الكتلة "ماس" فهي ثابتة أينما كان، وهما متساويان على الأرض تقريباً). فالضوء الذي يتألف من جزيئات الفوتون يتحرك بسرعة 300000 كيلومتر بالثانية، لا كتلة له.

 

ويقول كاكو إن جزيئات الضوء ليست الشيء الوحيد في الكون الذي ليس له وزن. إن الفراغ الفضائي لا يحتوي على أي شيء ماديٍ، وهو إذاً ليس لديه كتلةٌ أو وزنٌ، "وبما أن لا شيء هو مجرد فراغٍ أو خواءٍ، فإن بإمكانه أن يتحرك أسرع من الضوء، حيث لا يوجد أي شيء ما يكسر حاجزه. إذاً الفراغ الفضائي يمكنه بالتأكيد التمدد أسرع من الضوء".

وهناك عدة إمكانات علمية للسفر أسرع من الضوء:

1 - التشابك الكمومي quantum entanglement

بحسب هذه النظرية أنه إذا كان لدينا إلكترونان، من المصدر نفسه، قريبان بعضهما من البعض الآخر، فإنهما يهتزان بانسجامٍ تام. ويقول كاكو، "الآن أفصل بين هذين الإلكترونين بحيث تكون المسافة بينهما مئاتٍ أو حتى آلاف السنين الضوئية، وسوف يحافظان على جسر الاتصال الفوري بينهما سارياً. إذا قمت بهز إلكترون واحدٍ، فإن الإلكترون الآخر "يستشعر" هذا الاهتزاز على الفور، أسرع من سرعة الضوء".

وقد جرت عدة اختباراتٍ ناجحةٍ للتحقق من هذه النظرية منذ ثمانينيات القرن العشرين، لكن المختبرين استخدموا جزيئين من الفوتون في كل الاختبارات. ولم يتم حتى الآن استعمال أجزاء أخرى لصعوبة ذلك، مقارنةً بسهولة تشبيك فوتونين.

وعلى الرغم من صحة النظرية أعلاه، وحصولنا على سفرٍ أسرعَ من الضوء، تبقى هناك معضلة كيفية نقل هذا الجزيء أو غيره إلى مسافات تقاس بالسنين الضوئية. وهكذا نبقى محكومين بنظرية أينشتاين النسبية الخاصة التي تزاوج بين الطاقة والكتلة في معادلته الشهيرة: E = mc2 أي إن الطاقة تساوي الكتلة مضروبة بمربع سرعتها. وهكذا علينا حذف السفر الفضائي أسرع من الضوء بظل نظرية التشابك الكمومي، بالرغم من استفادتنا المهمة منها هنا على الأرض، خاصة في مجال الكمبيوترات الكوانتية.

 

لكن أينشتاين أبقى أملاً بالسفر أسرع من الضوء في نظريته النسبية العامة التي تزاوج بين الزمان والمكان. ويقول كاكو، "قد تكون الطريقة الوحيدة الصالحة لكسر حاجز الضوء هي النسبية العامة (التي تسمح) بالتشويش على تزاوج الزمكان".

2 – نظرية الثقوب الدودية:

هذا الالتواء في الزمكان هو ما نسميه بالعامية "الثقب الدودي"، يسمح من الناحية النظرية، لشيءٍ ما حتى وإن كان له كتلة (أو وزن) بالسفر لمسافاتٍ شاسعة على الفور، والانتقال إلى أي مكان في الكون بوقت قصير جداً.

وفي سنة 1988م استخدم عالم الفيزياء كيب ثورن معادلات أينشتاين للنسبية العامة للتنبؤ بوجود ثقوبٍ دوديةٍ منفتحةٍ للسفر بين النجوم. ولكن من أجل أن تشكّل هذه الثقوب معبراً، هي بحاجة لبعض المواد الغريبة حتى تجعلها مفتوحة ومستقرة. ويقول ثورن في كتابه "علم ما بين النجوم"، "من المدهش الآن أن هذه المادة الغريبة يمكن أن توجد، وذلك بفضل الغرابة في قوانين الفيزياء الكوانتية".

وبالفعل، تم إنتاج هذه المادة في المختبرات، ولكن بكميةٍ صغيرةٍ جداً. دفعه ذلك إلى دعوة المجتمع الفيزيائي لمساعدته فيما إذا كان بالإمكان توفير هذه المادة بكميات كافية لدعم احتمال إيجاد ثقب دودي. وقد أثارت هذه الدعوة الكثير من الأبحاث العلمية والأكاديمية من قبل كثيرٍ من العلماء على مدى ثلاثين سنة، لكن الجواب لا يزال مجهولاً.

بدل ذلك، وبانتظار أن يتحقق الحلم في المستقبل، أنتج هذا الجهد فلم الخيال العلمي "إنترستيلار"، 2014م أو "ما بين النجوم"، ولعب ثورن، دور المستشار العلمي والمنتج التنفيذي.

3 – نظرية المادة المضادة:

التي تقضي بتكثيف وضغط الفضاء أمامنا وتوسيعه خلفنا بحيث تنتج موجةً مديةً بالتواء الزمكان تتحرك أسرع من الضوء مدفوعةً بمادة مضادة. هذه المادة المضادة موجودة نظرياً لكن لم يتم رؤيتها في الواقع بعد.

ويعتقد كثير من العلماء أن نظرية الثقوب الدودية هي الاحتمال الأكثر رجحاناً إلى كسر حاجز الضوء. لكن هذا يتطلب توحيد النظرية النسبية العامة التي تتناول تزاوج الزمان والمكان، وبالتالي الجاذبية، مع نظرية الكوانتوم التي تتناول فيزياء ما دون الذرَّة في ما يعرف افتراضاً بنظرية كوانتوم الجاذبية.

 

 

تعليق عبر الفيس بوك