تراجِيدْيا النَصْرِ أو الموَت


علي السباعي | العراق
عَرَضَتْ قناةُ " العربية ُ " تقريرا ً مُصوَّرا ً عَنْ مراسيمَ عُرْس ٍ غَريب ٍمن نَوعهِ جرى في الهندِ : ((حيث جَرَتْ مراسيمُ زفافِ عروسَين - ثور ٍ وبقرةٍ - لا تستغربوا ! وقد أرتَدَتْ البقرة ُ العروسُ بدلة َالزفافِ البيضاءِ الجميلة َ، وارتدى الثورُ العَريسُ بدلة َ العُرس ِ السَوداءَ البهيّة َ، وتمنّى الناسُ الحاضرون للعروسَين - البقرةِ والثورِ- وهم يضعون أكاليلَ الغارِ والياسمين ِ عليهما الرفاءَ والمزيدَ من العجول )) .
لحظات عَرْض حفلة الزفاف كانَتْ تدورُ رُحـــى معارك في عمومِ مدن ِ العراق ِ بين أبناءِ الشعبِ الواحِدِ ، وكان صوتُ الرصاص ِ يعلو دائما ً على هُتافِ الصِبْيَةِ الذين يجوبونَ شوارعَ الوطن ِ هاتفين :- إمَّا النصرُ أو الموتُ !
ولم يعلموا أنَّ كلا الأمرَين (النصرِ أو الموتِ) انتحارٌ . يا ألهي ! متى تنتهي فصولُ مسرحيةِ تراجيديا الدمِ العراقيّ ؟
لقد أَنْفَـقــْنا عُمرَنا كُلَّه نَهْتِفُ مُــــذْ كُنـّا بعدُ صِبْيَة ً صغارا إلى الآن : إما النصرُ أو الموت !!!
تُرى هَلْ باستطاعةِ الأدبَ أن يُغيّر من هذه الفوضى ؟ أسئلة ٌ أضعُها بين أيديكم الكريمة . أَنَّ الأدبَ لم يَعُدْ يملكُ ذلك البريقَ أيامَ جان بول سارتر . أذْ كانَ باستطاعةِ روايةٍ أن تُغيّر وجهَ العالَم . أما اليومَ فأن الكتّابَ قَدْ أكتَفُوا بالتعبيرِ عن عَجَزِهم وقُصورِهم السياسي ، فقط . انتم تعرفون أَنَّ كُتّابا ً أمثال سارتر ، و كامو ، و دوس باسوس ، و جون شتاينبك ؛ هؤلاءُ الكتّابُ العظامُ الملتزمونَ كانوا يثقون ثقة ً مُطلقة ً بصيرورةِ الإنسان ِ وقدرةِ الكتابةِ ودورِها الفاعل ِ في رسمِ معالمِ المستقبل ِ، إنَّ الأفتتاحياتِ التي كان يكتبها سارتر  وكامو في مجلة (الأزمنة الحديثة) ، ومورياك في صحيفة (الأكسبرس) كانت بحق كتابات ملتزمة ، ترسمُ معالمَ واضحة ً لطريق ِ الأنسانيةِ . أما اليومَ فلا أعتقدُ أَنَّ أفتتاحيةِ في صحيفةٍ ما يمكنُ أن تُسْهِمَ في حَلِّ مُشْكِلةٍ من مَشاكلِنا التي لا تُحصى، فالأدبُ لم يَعُدْ سوى صدىً لليأس ِ و الأحباطِ ، وما عادَتْ علاقة ُ الفنّ بالحياةِ ، وواجبُ الكاتبِ الملتزم ، وقوانينُ الفنِّ الملتزم . أكثرَ القضايا حِدّة ً . زَمَنُنا المُعَقّدُ هذا تسودُه الفوضى ، ويتطلّبُ فــَنـّـاً رفيعا ً عظيما ً عن أنسانِهِ المظلوم .
هَميِّ أن أشاطركم الحديثَ عن الجيل ِ الآتي ، الأولادُ الصغارُ الهاتفون بمعادلةِ النصرِ أو الموتِ ، الصِبْيَة ُ الذين يذهبون ضحية َحروبٍ عَبَثيةٍ ، وفي تقديري هذه هي القضية ُالأشدُّ رُعْبا ً في حياتِنا ، وأرى أَنَّ مِن مَهمات  الأدبِ الوقوفَ بوجهِ تلكَ المآسي . عَلـْـينا التأسيسُ لأجيال ٍ تعرفُ كيفَ تتحاورُ ، وتتساجلُ ، وتختلفُ ، وتبني ، وتعرف أنَّ ذلك حَقٌّ صغيرٌ من حقوق ِ وجودها ، وقبلَ ذلك أَنْ نُعلِّمَها حجمَها الحقيقيَّ في المحيطِ الأنساني دون أستعلاءٍ و لا تبجّح ، كما نُعلَّمُها الاعتدادَ بالنفس كبشرٍ ذوي عِزَّةٍ و كرامةٍ تحترمُ عِزَّة َ الآخرينَ وكراماتهِ والى أنْ يحينَ ذلكَ السلامُ - الوئامُ - تـُرى متى تنتهي هذهِ التراجيديا الدامية - تراجيديا النصرِ أو الموتِ - حتى نُصفَـِّـقَ للسلامِ وبِشدّة ؟

 

تعليق عبر الفيس بوك