استحقاق الذات

رحمة راشد

استحقاق الذات هو شعور عميق يتملّك الفرد بأنّ ذاته تستحق كل ما هو جيّد ويضع نصب عينيه هدفا معينا يسعى لتحقيقه مع الإيمان التام باستحقاق بلوغه يرافق كل ذلك تعزيز قيمة الفرد أمام نفسه وتعزيز قدراته، ويشمل استحقاق الذات استحقاقا ماديا واستحقاقا صحيا واستحقاقا وظيفيا واستحقاق علاقات واستحقاقا وجوديا وهو أصعبها، ويعتبر الاستحقاق الذاتي من أهم عوامل استمرار الوجود البشري، فبدونه سيشعر المرء بأنه كائن غير مرغوب به في المنظومة الكونيّة ولا يستحق أن يكون موجودا فضلا عن شعوره بعدم استحقاقه كل المميزات المتاحة ضمن بيئته.

قد يعتقد البعض أن الشعور بالاستحقاق هو نوع من الأنانية التي يخجل ويخشى البعض من الاتصاف بها، ويصاحبها أحيانا شعور بالذنب غير أنّ جزء يسيرا من الأنانية مطلب مهم جدا ليسيّر الإنسان حياته وينقذ نفسه من الوقوع في مطب التدمير الذاتي أو الشعور بأنّه غير مؤهل للحصول على ما يرغب فيه والذي يؤدي لاحقا إلى بقائه في قعر عميق يصعب معه انتشال نفسه منه.

وللأسف معظم النّاس لا يعون حقيقة أهمية استحقاقهم الذاتي ويجهلونه أحيانا بدون وعي منهم؛ فينعكس هذا الجهل بشكل سلبي على حياتهم وتنحدر أهدافهم دون المستوى المطلوب لحياة أقل ما يقال عنها سيئة، وتوجد عوامل تؤثر على تدني مستوى وجود هذا الاستحقاق لدى الفرد تكون أحيانا صادرة من الفرد نفسه وأحيانا من الآخرين خاصة المقربين منه، منها التحقير الدائم وزرع وهم أنه لا يستحق الكثير والانتقاص من قدراته وأنه يجب أن يكون ممتنا لما يحصل عليه من فتات، سواء كان ذلك على مستوى الأفراد أو المجتمع.

يقول فيكتور فرانكل "عندما نفقد الأمل في تغيير الواقع يكون التحدي الأكبر في تغيير أنفسنا"، فإن كنت ممن يرون أنفسهم أنّهم لا يندرجون تحت فئة الاستحقاق بسبب معوقات خارجية ويسوَقون لأنفسهم صعوبة التقدم وتحقيق ما يرغبون به، فلا بأس أن يبدأ المرء بصغائر الأمور ليصل إلى ما هو أكبر، قد أبدو هنا كثيرة التفاؤل لدرجة الابتعاد عن الواقع لكن ما دمت أستيقظ يوميا وأغادر سريري فأنا أستحق وجودي في الحياة بطريقة لائقة، فدائما لدى الفرد طريقان يمضي فيهما إمّا أن يستمر بالحياة بنفس وجسد متهالك ويعاني بسبب ممارسات غير صحية وبناء علاقات سيئة ويتعامل مع نفسه وكأنّه شجرة لا تستطيع التحرّك من مكانها وإما أن يمنح نفسه ما تستحق و يغذيها بما يعينها.

 أنا إنسان أستحق وأرغب بحياة جيدة وأرغب أن يحترمني الآخرون، أن أحصل على الوظيفة التي أحب، أن أحصل على علاقات اجتماعية جيدة، أن أتمتع بجسد صحي أستطيع معه مقاومة الحياة، أن يكون لديّ ما يكفي من المال لحياة أستطيع الاستمتاع بها، كل هذا لن يتوفر لي بدون رفع سقف الشعور بالاستحقاق الذاتي وبدون شعوري بالأحقيّة في تملك كل ما سبق، بالإضافة إلى احترام وجودي في الحياة.

من المهم جدا أن نبني هذا الاستحقاق ونعزز وجوده في شخصيتنا أولا حتى نستطيع لاحقا نقله لشخصية أطفالنا ليشعروا معه أنهم جديرون بالحصول على كل ما هو جيّد، وأن تتشكل لديهم مناعة ضد المحبطين في البيئة الخارجية الذين من الممكن أن ينتقصوا من قدراتهم؛ الأمر الذي من الممكن أن يدمرهم أو يعرقل خطواتهم في طريقهم لبناء حياتهم.

يملك الفرد على الأقل الحرية في تحوير أفكاره الخاصة حول الاستحقاق الذاتي بصورة إيجابية في عقله الباطن والعمل عليها بصورة تساعده لاحقا على استدعائها حين يستلزم الأمر لتظهر على السطح الخارجي، استغلال هذه الميزة بذكاء يؤهل المرء الحصول على الرفاهية المستطاعة في الحياة. أفلا نستحق أن نعمل على ذلك؟!

تعليق عبر الفيس بوك