علي بن سالم كفيتان
لا يزال اللُّبان، حتى اليوم، خارج نطاق الفارق الزمني؛ فلا يمكن تحديد فترة صلاحيته بدقة؛ فاكتشاف وجوده في مخازن مدينة سمهرم الأثرية لفترة تزيد على الألف سنة، واحتفاظه بخصائصه الطبيعية وتأكيد استخدامه في تحنيط أجساد فراعنة مصر، يُعتبر إحدى عجائب الدنيا التي لا يزال العلماء يبحثون لها عن تفسير، ورغم الجهود العلمية المضنية إلا أن النتائج لا تزال بدائية وتحتاج للكثير من الجهد لسبر أغوار هذا المجهول عبر مختبرات مراكز الأبحاث حول العالم، التي لا تكل ولا تمل من السعي خلف أسرار صَمغ اللبان العُماني القادم من ظفار.
تشرَّفتُ -في نهاية شهر أكتوبر الماضي- بحضور المؤتمر الأول للبان والنباتات الطبية الذي عُقد في رحاب جامعة السلطان قابوس، بناءً على دعوة كريمة من جامعة نزوى صاحبة الإعداد والتنظيم، الذي فاق كل التوقعات، فالحضور الكبير للعلماء والمختصين باللبان والنباتات الطبية من مختلف بلدان العالم، ومن أكبر مراكز الأبحاث، منح المناسبة زخماً علميًّا كُنا بحاجة له، ولا شك أن البروفسور أحمد الحراصي وفريقه المتفاني رسموا لوحة مشرفة أمام الحضور، وأثبتوا للجميع مدى القدرات العالية التي يتمتعون بها في الجانب العلمي والتنظيمي على حدٍّ سواء؛ فدراسات اللبان بجامعة نزوى هي الأقدم في السلطنة؛ حيث مضى عليها أكثر من ثمانية أعوام، وأصبح فريق عمل دراسات اللبان والنباتات الطبية بالجامعة محلَّ تقدير وإعجاب، خاصة في مجال التحليل الكيميائي والمجالات الأخرى ذات الصلة.
عرض مؤتمر هذا العام طوال ثلاثة أيام نتائج مُبهرة في مجال استخدام اللبان كعلاج لكثير من الأمراض؛ وفي مقدمتها: السرطان، وأثبتت مراكز الأبحاث في ألمانيا والولايات المتحدة فاعلية اللبان كدواء لكثير من أنواع السرطانات، إضافة لكونه دواءً أثبت جدارته في مجال علاج حالات الاكتئاب والأمراض العصبية والنفسية المختلفة... وغيرها من الأمراض المتعلقة بالدم وتقوية الجهاز المناعي للإنسان.
أخذتْ أوراق العمل التي تُثبت الجدوى الاقتصادية لاستخدامات اللبان والنباتات الطبية في السلطنة حيِّزاً كبيراً في هذا المؤتمر، خاصةً في مجال صناعة العطور وأدوات التجميل، إلى جانب إمكانية تصنيع مراهم ومطهرات وصابونات ذات جودة عالية ومأمونة الاستخدام؛ كونها طبيعية وتخلو تماما من المواد الكيميائية، وعُرضت تجارب واعدة في المعرض المصاحب للمؤتمر من قبل الجهات المنظمة والداعمة؛ مثل: مركز عُمان للمورد الوراثية الحيوانية والنباتية، وجامعة السلطان قابوس، وحديقة النباتات والأشجار العُمانية، إضافة لبعض التجارب المستقلة لعدد من الباحثين العمانيين، في حين سجلت الأوراق التي تهتم بالمحافظة على التنوع الأحيائي لمورد للبان والنباتات الطبية في السلطنة النسبة الأقل في أعمال المؤتمر؛ مما يعكس مدى الاهتمام الكبير الذي توليه الجهات البحثية للمردود الاقتصادي للموارد النباتية، ودراسات التحليل الكيميائي، على حساب الجانب المتعلق بالمحافظة على ديمومة النُّظم البيئة التي تتعرض للكثير من الضغوط والتحديات في السلطنة.
كُنَّا نتوقع أن هذا الجهد المميز يأتي ضمن الإطار التكاملي لجهود جامعة ظفار في أبحاث اللبان، والتي استضافت قبل عام الاجتماع الأول تحت العنوان ذاته، في ظل غياب لافت للمختصين من جامعة نزوى آنذاك. وبالمقابل، غابت جامعة ظفار عن حضور مؤتمر هذا العام، وبعيداً عن النبش في الأسباب والمسببات لهذه المناكفة العلمية، نرى أن هذا الحدث يعد سابقة غير محبذة بين مؤسسات التعليم العالي بالسلطنة، في ظل حاجتنا الماسة للتكامل أكثر من التنافر؛ فالجميع يقدر الجهود الكبيرة لجامعة نزوى منذ عدة أعوام، وفي الوقت ذاته نرى أن ما تقوم به جامعة ظفار -خاصةً في مجال الاهتمامات الطبية والصيدلانية- يعد عنصرا محوريًّا في أبحاث الأدوية والطب البديل، ونثق بأن فريق البروفسور لؤي رشان في جامعة ظفار يستطيع أن يُشكل ثنائية علمية مُفعمة بالحيوية والتكامل والنتائج المبشرة مع فريق البروفسور أحمد الحراصي، خاصةً وأن كلتا الجامعتين تهتم بجانب مختلف إلى حد ما عن الأخرى.
-----------------------
نقطة نظام:
ما لا يعرفه الكثير من الناس أن سعر الكيلوجرام الواحد من اللُّبان العُماني ذي الجودة العالية، يوازي قيمة برميل نفط، هذا في حال بيعه كمادة خام فقط، مع أنَّ محصول اللُّبان لا يحتاج حفرًا، ولا تفجيرًا، ولا ضخًّا؛ حيث تكتفي هذه الشجرة الطبيعية التي تنمو تلقائيًّا في الجبال القاحلة والوعرة بأقل نسبة من المياه وكمية محدودة جدًّا من التربة، لتعطي سلعتها المستدامة باهظة الثمن.. فهل سنرى اهتمامًا أكبر بمواردنا الطبيعية المتجددة في قادم الأيام؟!